في الواقع، تابع الأب الأقدس يقول، هناك رباط وثيق بين رجاء شعب والتناغم بين الأجيال. ففرح الأبناء يجعل قلوب الأهل تخفق ويفتح المستقبل من جديد. الأبناء هم فرح العائلة والمجتمع، والأبناء هم عطيّة وكل منهم هو فريد ولا يتكرّر. في الواقع أن يكون المرء ابنًا أو ابنة بحسب مخطط الله يعني أن يحمل في داخله ذكرى ورجاء حبٍّ تحقق من خلال وهبه الحياة لكائن بشري آخر فريد وجديد. الابن محبوب لأنه ابن: لا لأنه جميل وسليم وصالح ولا لأنه يفكّر مثلي أو يجسّد رغباتي. الابن هو ابن: حياة ولدت منّا ولكنها خاصّته ولخيره وخير العائلة والمجتمع والبشريّة بأسرها.
أضاف الحبر الأعظم يقول من هنا يأتي عمق الخبرة الإنسانية بأن يكون المرء ابنًا أو ابنة، والذي يسمح لنا باكتشاف البعد الأكثر مجانيّة للحب ولا يكف أبدًا عن مفاجأتنا. إنه جمال أن نكون محبوبون أولاً: قبل أن نكون قد فعلنا شيئًا يستحقّ الحب، قبل أن نعرف أن نتكلم أو نفكر، لا بل حتى قبل أن نأتي إلى العالم! أن نكون أبناء هو الشرط الأساسي لنعرف محبة الله. ففي روح كل ابن، بالرغم من هشاشتها، يضع الله ختم هذا الحب أساس كل كرامة إنسانيّة، كرامة لا يمكن لشيء أو لأحد أن يدمّرها.
واليوم، تابع البابا فرنسيس يقول، يبدو من الصعب للأبناء تصور مستقبلهم. فالآباء ربما قد تراجعوا في مسيرتهم فلم يعد الأبناء يثقون بالسير إلى الأمام، لكن يمكننا أن نتعلّم العلاقة الجيّدة بين الأجيال من أبينا السماوي الذي يترك حرًّا كل فرد منّا ولكنّه لا يتركنا أبدًا وحدنا. وإن خطئنا يرافقنا على الدوام بصبر وبدون أن ينقص حبّه لنا. فالآب السماوي لا يتراجع في خطواته وهو يريد أن يكون أبناؤه شجعانًا ويسيروا إلى الأمام. أما الأبناء من جهتهم فلا يجب عليهم أن يخافوا من الالتزام في بناء عالم جديد. وبالتالي من الأهمية بمكان أن تُعرف قيمة الأبناء وأن يُكرّم الأهل ويُحترموا على الدوام.
أضاف الأب الأقدس يقول: تطلب الوصيّة الرابعة من الأبناء – وجميعنا أبناء – أن يُكرِّموا الأب والأم (راجع خروج 20، 12). وهذه الوصية تأتي فورًا بعد الوصايا المتعلقة بالله. في الواقع هي تحتوي على شيء مقدّس يكون في أساس جميع أشكال الاحترام بين البشر. وفي الصياغة البيبليّة للوصية الرابعة يُضاف: “لِكَي تَطولَ أَيَّامُكَ في الأَرضِ التَّي يُعطيكَ الرَّبُّ إِلهُك إيَاها”، فالرابط الفاضل بين الأجيال هو ضمانة المستقبل وضمانة تاريخ بشريّ حقيقيّ. فمجتمع الأبناء الذي لا يكرم الأهل هو مجتمع بلا كرامة ومصيره الامتلاء بشباب باردين وجشعاء. ولكن مجتمعًا بخيلاً في الإنجاب ولا يحب أن يحاط بالأبناء لأنه يعتبرهم همًّا وثقلاً ومخاطرة هو مجتمع كئيب. ينبغي أن يكون إنجاب الأبناء مسؤولاً كما تعلمنا أيضًا الرسالة العامة “الحياة البشريّة” للطوباوي البابا بولس السادس ولكن لا يمكن أن يصبح تلقائيًّا إنجاب عدد من الأبناء خيارًا غير مسؤولاً. فالحياة تتجدّد وتكتسب طاقات بالتكاثر: تغتني ولا تفتقر! ليتعلّم الأبناء تحمّل مسؤولية عائلاتهم ولينضجوا في مشاركتها تضحياتها ولينموا في تقدير عطاياها. ولتحرّك خبرة الأخوة الفرحة الاحترام والعناية للأهل الذين يستأهلون امتناننا وعُرفان جميل.
وختم البابا فرنسيس تعليمه الأسبوعي بالقول ليساعدنا يسوع، الابن الأزلي الذي صار ابنًا في الزمن، لنجد الدرب من أجل إشعاع جديد لهذه الخبرة الإنسانية البسيطة والكبيرة بأن نكون أبناء. ففي تكاثر الإنجاب نجد سرّ غنى لحياة الجميع يأتينا من الله وبالتالي ينبغي علينا أن نكتشفه، مُتحَدّين الأحكام المسبقة، ونعيشه بالإيمان والفرح.