–
عزيزي المطران يوحنا ابراهيم
صديقي العزيز… أقرأ الإهداء الذي كتبته لي على كتابك “قبول الآخر”، وكان هذا منذ عدة أعوام، وأقلب صفحات الكتاب واقرأ جُملاً وضعت تحتها إشارة، وأسألك “سيدنا” هل ما زلتَ مؤمناً بالآخر الذي غيّبك؟ إننا على أبواب نهاية السنة الثانية من تغييبك مع رجال دين آخرين، ولا أخبار عنك. تتجمد أصابعي (من البرد) متضامنة مع عقلي، فأقف عاجزاً عن معرفة ما سأكتبه لك. تمر بي ذكريات كثيرة لنا، فلتسمح لي أن أذكر القليل القليل منها، لأبتسم في وقت أصبح الابتسام نوع من الترف؟ هل تذكر “سيدنا” كيف أعلمتك أن أسقف أوسلو (النرويج) سيأتي الى حلب فاستضفتنا على مائدة إفطار وكان ذلك آخر يوم في شهر رمضان، واستغرب الأسقف أن يقوم أسقفاً مسيحياً بدعوته على إفطار ويشرح له عن العيش المشترك في سورية؟ هل يعرف خاطفوك ذلك؟ هل تذكر سيدنا أنني سألتك يوماً لماذا تضع أيقونة السيدة العذراء، فأجبتني لأن العذراء مشتركة بيننا وبين إخوتنا المسلمين؟ فهل يعرف من غيّبكَ بذلك؟ وعندما زارك المطران كبوجي، وقال لك أنك ترهق نفسك، فاجبته “الحق عليك في ذلك، لأنني أتعلم منك”. كم أدهشتَ بوطنيتك، الوفود الكثيرة التي زارتكَ. وبروحك وبنشاطك – غير العادي – كم أتعبتَ الذين كانوا يعجزون عن أعمال كبيرة وكثيرة قمتَ بها. كم مريض كنتَ تصعد لزيارته الطوابق الخمسة وبهمةٍ غَبطتُكَ عليها؟ وكم عائلة كنتَ تزورها لبلسمة جراحها لدى فقدانها أحد أفراد العائلة؟ كنت تهتم بالعائلات الفقيرة قبل غيرها وتزورها والدهشة تعلوا محياها. قلتُ لك مرةً عن إحدى العائلات أنها تسكن في الطابق الأخير، فأجبتني “أن زيارتي لهم ستعطيهم دفعاً معنوياً” ثم أردفت قائلاً “إنهم بحاجة لذلك”. هل تذكر “سيدنا” ليلة كنتَ مشاركاً بمحاضرة منذ سنوات خارج حلب، وكانت ليلتها باردة جداً والثلج يندف، وكيف أن عطلاً بالشوفاج أصاب السيارة، فعدنا والصقيع يلفحنا ونحن جلوس في السيارة لا نتحرك؟ وآخر يوم التقيتك به كان قبل تغييبك بأيام، وحدثتني بمواضيع شتى وقلتَ لي ” الذي تعلمته في هذا الحصار الخانق، هو إرادة الحياة” صديقي “سيدنا”… مازال أولئك الذين سميتهم “بأكلة الجبنة” يتسلقون… وشعبك الطيب يدفع الثمن. أصبحنا نرفع صور شهدائنا أكثر من الأعلام. علمتنا أن نصلي، نصلي لنا وللآخر…. في فمي كلام كثير يا “سيدنا” لن أتعبك بتحمله. هل يعلمون أولئك الذي غيّبوك أنهم غيّبوا سورية؟ أنا لن أسألك كيف تحيا، لأني واثق أنك تحيا في الايمان والرجاء. لن أسألك ولن أطيل في كلامي، فقد تكون مرهقاً تود أن تصلي لترتاح. سأودعك ودموعي في مقلتي لكن لن أبكي، وخاصة أنني عندما كنتُ مرة في حالة ضعف، كدت أبكي، فنظرتَ الي وقلتَ لي “من الطبيعي أن يُهمشك الناس، ولكن من غير الطبيعي أن تقبل بذلك” اسمح لي أن أقبل يدك سأقول لك بارخمور (باركنا) “سيدنا” وانتظر لتجيبني آلون باريخ ….فلا يوجد مجيب