وفي سياق متّصل، كان بندكتس السادس عشر قد اتّخذ مع معاونيه إجراءات محدّدة لضمان الاستمراريّة من بابا إلى آخر، بحيث أنّه عيّن المونسنيور جورج غانسوين، وهو سكرتيره الخاص، في منصب مدير الشؤون البابويّة في كانون الأوّل 2012، ليُصبح بعد هذا رئيس أساقفة. وكان من غير المحتمل أن يستبدل البابا الجديد رئيس الأساقفة الألماني، خشية أن يُهين بتصرّفه مَن عيّنهُ مؤخّراً. وبهذا، كان مقدّراً لغانسوين أن يلعب دوراً مزدوجاً، بحيث يكون المشرف على القصر البابوي وسكرتير بندكتس أو الوسيط بين البابا القديم وخلفه.
إلّا أنّ هذا لم يتحقّق، لأنّ البابا الجديد صدم العديدين في الفاتيكان، مُتّخذاً قرار عدم الإقامة في المقرّ البابويّ، بل في دار القديسة مارتا، قرب بازيليك القديس بطرس، حيث أقام الكرادلة خلال اجتماعهم السرّي. وعلى الرغم من ملازمة الباباوات القصر الرسولي العائد إلى القرن الخامس عشر منذ سنة 1870، يبقى قرار البابا فرنسيس هذا من أهمّ الإصلاحات في عهده، لأنّه بذلك وضع حدّاً للُغز البابوية، ومحا بقايا “البِلاط” البابوي القديم وعقليّته. إضافة إلى ذلك، ساعد هذا القرار الأب الأقدس على التمتّع بفُسحته الخاصة بدون أن يشعر بأنّه مُقيّد أو غير مرتاح باتّباع خطّ استمرارية سلَفه الواسع المعرفة، والذي تُنسب له الرؤية اللاهوتيّة شبه المِعياريّة للكنيسة خلال العقود الأربع الأخيرة. يُذكر أنه لم يكن للبابا الجديد رأي في مكان إقامة البابا السابق، أو ما سيرتديه وكيف سيُدعى، ودائماً بحسب موقع ncronline.org
في النهاية، يعود بعض التقدير لقداسة البابا فرنسيس وطريقة تصرّفه. فلَو انتُخبَ غيره خلفاً لبندكتس، من الممكن أننا كنا ما زلنا نعيش في الاضطراب الذي شهدته روما لدى استقالة البابا البافاري. ولو انتُخب شخص لا يتمتّع برباطة جأش البابا فرنسيس، من السهل أن نتخيّل أنّ التدبير الجديد الذي أوجدته استقالة البابا، كان ليتطوّر بشكل مختلف عمّا نراه حاليّاً. فالأب الأقدس الحالي تمكّن من تغيير اللهجة المُعتمدة في البابويّة، وبطريقة غير مُهينة أظهرت احترامه لمساهمات بندكتس في الكنيسة، خاصّة عندما قال إنّ استقالة أسقف روما من منصبه أصبحت جزءاً طبيعيّاً من حياة الكنيسة.