ليس المخلع ذاك الإنسان غير القادر على السير بسبب علّة في قدميه فحسب ، بل هو ذاك الإنسان المنقسم في ذاته أجزاءً وأجزاء ، وكلّ جزء فيه يتحرّك على هواه ، لذلك هو عاجز .
نظر يسوع إلى ذلك المسكين وقال له (مغفورة لك خطاياك ) ، لأنه علّم أنّ الخطيئة هي السبب الأول لخلعه ، وهي سبب عجزه والانقسام فيه . ألم تكن الخطيئة هي سبب انقسام الإنسان وخالقه ! ، فيسوع أزال منه الانقسام وأعاده واحدا ، مترابط الأعضاء ، وجعلها كلّها متّصلة بالرأس الذي يحرّكها بتناسق فيما بينها ، فردّه إنسانا قادرا .
نعيش اليوم حضارة حوّلت الإنسان إلى أشلاء ، فصلت بين الجسد والقلب . قسمت حياة الإنسان: إلى حياة في البيت وحياة في العمل ، حياة داخل الكنيسة ، وأخرى خارجها . فتحوّل الإنسان إلى مخلّع عاجز يعيش في قلق . فنحن بحاجة إلى يسوع المخلص يعيد إلينا وحدة الذات فينهضنا من مرضنا . وعلينا أن نجعل المسيح رأسا لجماعتنا ، فهو المبدأ لوحدة الكنيسة .
ولجماعة الكنيسة دور في احتضان الضعيف وتشجيعه على طلب الخلاص ، كما كان للرجال الأربعة في حمل المخلع وإنزاله من السقف ليقترب من الرب (ألا نستطيع أن نرى في الرجال الأربعة ، الإنجيليّين الأربع؟! الذين ينيرون الإنسان بتعاليمهم الرسوليّة وببشرى الخلاص التي بيسوع المسيح ) . فعلينا أن نعلّم أولادنا حبّ الله ، وأن نبني مجتمعا خاليا من الكذب والخداع . وهذه من الأمراض التي تجعل الإنسان أن يصاب بخلع الروح والنفس .
تأمّلات من آباء الكنيسة
يقول إقليمس الإسكندريّ : تشفي مهارة الطبيب ، كما جاء في ديمقريتوس ، أمراض الجسد ، أمّا الحكمةُ فتُحرّر الروح من الأهواء . والمعلّم الصالح ، أي الحكمة وكلمة الآب وصانعُ الإنسان ، يُعنى بجبلة البشر . فطبيبُ البشريّة الكليّ المهارة يشفي الجسد والنفس على حدّ سواء . فالمخلّص أمر الكسيح (المخلّع) قائلا : قمْ واحمل فراشك (جسدك) وأذهب إلى بيتكَ (الفردوس) ! وللحال استعادَ المخلّع قوّته .
يقول القدّيس يوحنا الذهبيّ الفم : كلّما عاقبَ أحدًا أو كرّمه أو غفر الخطايا أو سنّ الشرائع ، تصرّف دون الرجوع إلى سواه . فالسلطان سلطانه في فعل ذلك . وكلّما فعل ذلك فإنك لا تجده يصلّي أو يُناشد أباه ، بل يفعلُ كلّ شيء بسلطانه .
يقول بطرس خريستولوغوس : إحمل فراشكَ ، أي سريركَ ، الذي حملك مرّة . وغيّر مكانك حتى يُقدّم ما كان برهان مرضِك شهادة ً لتعافيك . ففراش ألمِكَ يُصبح علامة الشفاء ، كما يُصبح ثقله مقياسًا للقوّة التي أعيدت إليك .
يقول القدّيس أمبروسيوس : لقد كلّف يسوع المسيح القيام بعمل ٍ يكون فيه التعافي شرطا ضروريّا ، حتى لو كان المريضُ يصلّي من أجل التعافي من مرضه .. كانت عادة الربّ أن يطلُبَ من الذين شفاهم بعض الإستجابة ِ أو القيام ببعض الواجبات .
يقول أوغسطين : لقد كنتم ذوي شلل داخليّ . فلم تحملوا فراشكم . بل إنّ فراشكم هو الذي حملكم . ( قد يكون المرء ذا شلل ٍ داخليّ من دون أن يكون مشلولا ً جسديّا ) .
العالمُ كسيحٌ ومخلّع ، ومصابٌ بالتمزّق والشلل والجمود والإنسكار . يحتاجُ للمسة الربّ يسوع ونعمته لكي يُشفى من خلعه وإنقسامه وجموده وإنكساره وتمزّقه . يشفي الربّ النفس أوّلا ، فبشفاء النفس يُشفى الجسد .