يتألف الكتاب الصادر بالإيطالية بعنوان papa Francesco. La rivoluzione della tenerezza e dell’amore لدار النشر “كويرينيانا من 12 فصلاً مع مقدمة وخاتمة. يشرح الكاردينال في مطلع الكتاب أن “الجدة المفاجئة التي حملها هذا البابا لا تحمل معها أية جِدة، بل هي صدى لجدة الإنجيل الأبدية، والتي هي ذاتها دومًا ومع ذلك فهي تستمر بإدهاشنا”. فالإنجيل الأبدي هو يسوع المسيح بالذات “وغناه وجماله لا ينضبان” (فرح الإنجيل، 11).
التجديد الجذري
تجديد فرنسيس يتجذر في التقليد، ولكن مع قناعة راسخة: بأن التقليد ينقل الجمر لا الرماد. يأتي فرنسيس من مدرس لاهوت الكلمة (الكريغما)، لهذا “هو ليس فرنسيسيًا متسترًا، بل هو بكليته وفي كل شيء يسوعي”. وبروح القديس اغناطيوس دي لويولا، لا ينطلق فرنسيس من العقيدة، بل من الواقع ويطبق عليها قواعد تمييز الأرواح لكي يتوصل على قرارات ملموسة.
يقوم فرنسيس بتطبيق “لاهوت وضعي” ومن هذا المنطلق “يسعى إلى تنوير وضع الكنيسة والمسيحي في العالم المعاصر انطلاقًا من الإنجيل. وهنا يظهر أن الإيمان المسيحي ليس إيديولوجية تبغي توضيح كل شيء؛ وهي لا تُقارن بنور اصطناعي ينير كل مسيرة حياتنا؛ بل هي مصباح يضيء مسيرة الحياة بمقدار ما نتقدم نحن”.
هذا وإن نظرة البابا لعميقة في ما يكتب في الرسالة العامة “نور الإيمان” (Lumen fidei) التي أصدرها مع البابا بندكتس السادس عشر: “الإيمان ليس نورًا يبدد كل ظلامنا، بل هو سراج يهدي في الليل خطانا، وهذا ما يكفي للمسير”.
أولية الإنجيل
جذرية البابا فرنسيس تعني العودة إلى الجذر، والجذر في المسيحية واحد: الإنجيل الذي هو البشرى السارة لحب الله، حب الله الذي ليس عاطفة أو مفهومًا، بل هو شخص يسوع المسيح. على خطى القديس توما الأكويني – الذي يستشهد به البابا فرنسيس في فرح الإنجيل الأعداد 37 و 43 – يشدد البابا على أن الإنجيل “ليس شرعًا مكتوبًا، وليس دستورًا وعقائد وأوامر، بل هو هبة الروح القدس الباطنية، والتي تأتي إلينا من خلال الإيمان وأعمال المحبة”. القواعد لها دور ثانوي، فواجبها هو أن تقودنا نحو ما هو أساسي، نحو هبة النعمة ونحو تفعيلها.
أولية الله وحب الله هذه هي قلب تعليم فرنسيس. وفي هذا لا يندرج تعليمه في إطار تعاليم البابوات أسلافه (بولس السادس، التبشير بالإنجيل؛ يوحنا بولس الثاني، رسالة الفادي؛ بندكتس السادس عشر، باب الإيمان).
التركيز الأساسي على المكنون الإنجيلي لا يشكل في تعليم البابا فرنسيس جنوحًا عاطفيًا أو عشوائيًا، بل هو رجوع إلى الأصل المسيحاني الذي ليس حصريًا بل شاملاً.
Miserando atque eligendo
لقد قدم لنا البابا فرنسيس في التبشير الملائكي الأول لحبريته تفسيرًا كتابيًا ومبسطًا لشعاره عندما كان رئيس أساقفة بوينس أيرس المستوحى من بيدا المكرم، وهي درس في الدعوة بشكل عام: “إذ نظر إليّ برحمة، اختارني”. وقد ذكرنا فرنسيس في التبشير الملائكي الأول أن الله “لا يكلّ أبدًا من الغفران، بل نحن، أحيانًا، نتعب من طلب الغفران”. ويذكرنا القديس توما الأكويني أن الرحمة هي وجه الله المتوجه نحو الخلائق.
وهنا أيضًا، يُدخلنا البابا فرنسيس في صلب التعليم الكتابي حول النعمة وحول جوهر كيان الله، ومرة أخرى يسير في خطى أسلافه (راجع يوحنا بولس الثاني، الرحمة الإلهية وبندكتس السادس عشر، الله محبة).
يشرح الكاردينال كاسبر أن الأهمية المعطاة للرحمة في تعليم البابا فرنسيس ترفع عيوننا وأفكارنا إلى هذه الصفة الإلهية بامتياز، وبالتالي هي دعوة مباشرة إلى الانصباب على الله في وجهه المسيحاني.
يستمر كاسبر في تحليله فيتطلع إلى وجه الكنيسة بحسب ما يصممه فرنسيس، وجه كنيسة هي بحسب التعليم البولسي وتعليم المجمع الفاتيكان الثاني، “شعب الله”. وعلى ضوء هذا المفهوم الكنسي، يستنتج البابا هوية الكنيسة الداخلية، وأيضًا علاقتها المسكونية بالمسيحيين الآخرين وعلاقتنا بالأديان الأخرى.
سنتان على حبرية فرنسيس. سنتان يمكننا أن نرى فيهما أن هذا البابا لم يعلم الإنجيل فحسب بل سعى بكل قواه لكي يعيشه، إنجيل فقر وقرب من الفقراء، إنجيل فرح وتعزية، إنجيل مصالحة وسلام. برنامج فرنسيس هو برنامج إنجيلي في جوهره لأنه إنجيل يعيش منطق التطويبات.