حضرة الآباء الكهنة والشمامسة الكرام
حضرة الراهبات الفاضلات
أيها الإخوة والأخوات الأحباء
عيد الشعانين هو عيدُ استقبال يسوعَ أيضاً في المدينة المقدّسة، في اورشليم، حيث الهيكلُ الحاوي حضورَ الله بين شعبَه، ليُصبح هيكلُ جسده على الصليب المكانَ الذي تتّحدُ فيه آلامُ الإنسانيّة بقيامة فاديها إذ يأخذُ ما هو لها ويعطيها ما هو له.
الروحُ القدسُ الذي علّم الرُسلَ النُطق بألسنةٍ غريبةٍ، الهم أطفال العبرانيين الذين لا يعرفون الشرّ أن يُدركوا حقيقة الضيف الكبير ويستقبلوه بأغصان الزيتون والنخيل. اليوم يوافي المخلّص الى مدينةِ القُدس ليُكمّل النبوءات المقولةِ بشأنهِ، فحمل الجميعُ بأيديهم سَعَفاً وفرشوا له ثيابهم، عالمين أن الراكب على عفوٍ صغيرٍ هو عينُه الراكبُ على الشيروبيم والمسبَّحُ من السيرافيم!
لقد قَبِلَ يسوعُ الخطأة والعشّارين والزُناة والمرضى، وقَبِلَ أن يُضيفه زكا العشّارُ في منزله... وقد اعتبر أنَّ من قَبِلَ أحد هؤلاء المحتاجين وقدّم لهُ الخدمة التي يحتاجها إنّما قبلَهُ هو وخدمهُ...
وفي الإنجيل المقدّس، يسوعُ يلبّي دعواتِ الناس الى زيارتهم ويزور دار العازر وأختَيه ودارة سمعان الأبرص ودارة بطرس وسواهم... ولكنّه يدعو آخرين الى الحضور إليه أيضاً وزيارتهِ والسيرِ معه على الدروب بل والسّهرِ الى جانبه في أوقات الحُزن والانفصال... وقد اعتبر أحدُ اللاهوتيّين المعاصرين "بارِّيت" أنه "ما من شيءٍ يفوق أهميّةَ معرفةِ أين يُقيمُ يسوعُ وأين يكون".
معرفةُ وقتِ قدوم يسوعُ ومكانِ تواجُدِهِ شرطٌ أساسيٌّ لبناء صداقةٍ حقيقيّةٍ معه، فحينما طرح عليهِ اندراوسُ ورفيقُه ذاك السؤال الشهير:"رابّي، أين تقيمُ؟" (يوا:38) أجاب قائلاً: "هَلُما فانظرا!" (يوحنا 1:39)... وقد "أقاما عنده ذلك اليوم" (يوحنا 38-39)، وكانت تلك المبادرةُ بداية علاقةٍ متينةٍ بيسوع الذي أرسله الآبُ لخلاصِ البشر. هذا وقد أوصانا الربُّ غيرَ مرَّةٍ في الكتاب المقدس، بالسهرِ واليقظةِ وانتظارِ قدومهِ هو الحاضرُ والغائبُ في آنٍ.
أيُها الأحبّاء،
حينما استقبلَ ابراهيمُ في العهد القديم زوّارَه الثلاثة وخدمهم في وسط قيظِ الصحراء، عرف أنّهُ يُضيفُ الله ويخدُمه، وحينما استقبلَ سمعانُ الأبرصُ يسوعَ في منزله ورفض استقبال تلك الزانية التي تقدّمت الى المخلّص وأفاضت على قدميهِ طيباً مع دموعٍ وحسراتٍ، لم يفقَهْ حقيقة الضيف الإلهي الذي لا نستطيعُ أن نقبلهُ في حياتنا دون قبولنا للآخر المختلف في هويّته ودينه وسلوكه ولونه... دون قبولنا المريضَ والسجينَ والمتألمَ والشريدَ. وقد قال كاتبُ الرسالة الى العبرانيّين:" لتستمرَّ فيكم محبةُ الإخوة، ولا تنسَوا ضيافةَ الغرباءِ لأن بها أناساً أضافوا ملائكةً وهم لا يدرون. أُذكروا الأسرى كأنكم مأسورون معهم والمجهودين بما أنكم أنتم أيضاً في الجسد". (عب 12/28).
باستقبالنا الإخوة اللاجئين في لبنان، نستقبلُ يسوع الذي يدخُل بمجد الى حياتنا ليقدّم نفسه ذبيحةً تتماهى مع تضحية اولئك الذين اقتُلعوا من بيوتهم وقُراهم وحضارتهم وتاريخهم، وهو القائل:"إنَّ ابن الإنسان ليس له مكانٌ يُسندُ اليه رأسه!"(متى 8: 20)
اليوم أيُّها الاخوة نستقبلُ يسوعَ المهجّر والمنبوذَ داخلاً الى قُدس أقداسنا، الى اورشليم الداخلية، الى قلوبنا وضمائرنا... عسانا نفرشُ له ثيابنا ونحيّيه بالفرح والبهجة... عساهُ يقلبُ موائد الكذب والرياء والتزلّف والازدواجيّة التي تملأ ساحاتِ هيكل قلبنا... عساهُ يطردُ باعة الهيكل الذين يُعيثون خراباً بهذا الشرق الحزين الذي يكثرُ فيه الفريسيّون والكتبةُ والمراؤونَ!
صلاتُنا الى الآتي باسم الربّ، أن يليّن افئدتنا المتصلّبة بالخطيئة وعبادة الذات ويمنحنا جُرأة اولئك الأطفال الذين استقبلوه في دخوله الى آلامه وقيامته، ذاكرين كلمة السعيد الذكر البابا بندكتوس السادس عشر:"إذا استقبلنا يسوعَ في حياتنا (...) جعلها حُرَّةً وجميلةً وصنع فيها العظائم!"
(ساحة القديس بطرس/ 24 نيسان 2005)
أعاد اللهُ عليكُم هذا الموسم الخلاصي بالخير وحلول السلام وتعهّد بيمينه القديرة العراق ولبنان وسوريا وفلسطين ومنحنا بركاتِ هذا الأسبوعِ المقدّس له المجدُ الى الأبد.
هوشعنا في الأعالي!
هوشعنا لإبن داوود!
مباركٌ الآتي باسم الرب!