ثلاث خصائص لأسلوب راتزنغر (البابا بندكتس) اللاهوتي

احتفالاً بعيد ميلاد البابا السابق

Share this Entry

انتخاب يوسف راتزنغر إلى الحبرية في عام 2005 جعل هذا الرجل العظيم معروفًا على صعيد واسع. إلا أن أهميته وشهرته تعود إلى قبل ذلك بكثير، حتى إلى قبل مهمته المتطلبة التي قام بها بجدارة كعميد مجمع عقيدة الإيمان وذلك طوال القسم الأكبر من حبرية يوحنا بولس الثاني وبإرادة مباشرة ومصرة للبابا القديس. تعود أهمية راتزنغر إلى دوره كلاهوتي كبير طبع أيضًا وثائق هامة من المجمع الفاتيكاني الثاني.

ولعل أهم كتابات اللاهوتي الألماني هو “مدخل إلى الإيمان المسيحي” المترجم أيضًا إلى العربية. وقد بلغت بعض ترجماته عشارات الإصدارات والطبعات. هذا الكتاب الذي جاء كصياغة مكتوبة لسلسلة دروس قدمها اللاهوتي الشاب في صيف 1967 في جامعة توبينغن ما زال يحافظ على رونقه وآنيته وذلك بفضل الحس المرهف والفكر الثاقب الذي ضمّن راتزنغر صفحاته. يستحيل في مقالة بهذا الحجم النظر بمختلف أبعاد هذا المؤلف، لذا سنقوم بتسطير ثلاث خصائص تميز نظرة راتزنغر اللاهوتية بحسب ما تظهر في هذا الكتاب.

طبيعة الإيمان الجدلية

يفتتح راتزنغر تحليله وخطابه اللاهوتي في هذا الكتاب  متذكرًا مطلع الرواية المسرحية الشهيرة لبول كلوديل (Le soulier de satin) لتقديم صورة معبّرة عن بعد الصراع في قرار وحياة الإيمان، فيُدخلنا في  مناخ المؤمن المعاصر الذي يعيش “مربوطًا بالصليب – والصليب غير مبروط بشيء، بل يذهب عائمًا في المدى”. بُعد الإيمان هذا المتمثل بعيش الإيمان كمسيرة ولا كنقطة وصول يجعل المؤمن حساسًا تجاه أخيه غير المؤمن. فمن ناحية أخرى، غير المؤمن الصادق لا يعيش إلحاده أو شكه كيقين أكيد، بل كإطار، وربما كتعبير مكنون لرغبة في ألا يكون على حق!

يضحي إطار عدم اليقين فسحة للقاء والحوار والتعاون إذ لا يسمح للمتحاورين أن ينغلقوا بالكامل في ذواتهم، بل يحثهم على تحطيم الجليد الذي فصلهم في الماضي.

المؤمن، إذًا هو في آن – بحسب كلمات يوهان بابتست متز – مؤمن وغير مؤمن في آن، والأمر عينه ينطبق على غير المؤمن، ويكتب راتزنغر أن “مَن يبغي أن يهرب من عدم يقين الإيمان، يجب عليه أن يواجه عدم يقين عدم الإيمان، الذي من ناحيته، لن يستطيع أبدًا أن يقدم ضمانة واثقة بأن الإيمان ليس على حق”.

طبيعة الإيمان العملية

“الله عمليّ، فهو ليس مجرد إطار فكري لنظرة معينة للعالم، وليس مجرد فكرة يمكن تجاهلها”. إذا كان صحيحًا أن الإيمان يحاور الفكر لكي ينمي في فهم ذاته، فصحيح أيضًا أن الإيمان لا يقتصر على الفكر. إحقاق الإيمان يمر في البعد العملي والملموس.

يكتب راتزنغر: “للإيمان المسيحي تقارب كبير مع البعد التطبيقي والعملي، فهو ينخرط بشكل خاص في إطار التاريخ، ولهذا نلحظ أن فلسفة التاريخ قد نشأت في إطار مشبع بالمسيحية”.

عمل الإيمان وبعده التطبيقي، ليسا استفحالاً في بُعد الفعل المُرهق. فاتزان الإيمان يعرف أن “الإنسان لا يعيش فقط من خبز ما  يُفعل، بل يعيش كإنسان، وفي تركيبة إنسانيته، يعيش من الكلمة، من الحب، من معنى الواقع. فمعنى الأمور هو الخبز الذي يعيش منه الإنسان، والذي يغذي محور إنسانيته”.

طبيعة الإيمان الحوارية

الإيمان لا يأتي من التمحيص بقدر ما يأتي من السماع، بحسب ما يعلمنا القديس بولس، فجوهر الإيمان لا ينبع من التبحر الفكري ومن النتائج التي يستخلصها الفكر. الفكر في الإيمان هو دومًا إعادة تفكير وتعمق بما قد تلقاه الإنسان كهبة حب وحوار مجاني وجهه الله للإنسان.

الإنسان، في الخبرة الكتابية والمسيحية، يقيم علاقة مع الله على أساس “البنية الحوارية”، بنية اللقاء الذي يتم مع الله ومع الآخرين. بهذا المعنى، يصرح راتزنغر أن الإيمان “يتوجه في جوهره إلى الأنت وإلى النحن، وفقط في مسيرة مطبوعة بهذا التوجه يربط الإنسان بالله.

طبيعة الخبرة الدينية هذه هي الميزة الخاصة بالإيمان الكتابي والتي تبين كيف أن الله “يريد أن يصل إلى الإنسان من خلال الإنسان؛ وأنه لا يبحث عن الإنسان إلا في إطار أخوّته مع البشر الآخرين”.

Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير