ويعتبر السلم الدَّرَجي تصويرًا لسُلَّم الترقِّي المكون من ثلاثين درجة والتي ترمز إلى سنوات حياة رب المجد على الأرض (٣٣ سنة)، وينتهي هذا السلم في أعلى درجاته بالمحبة الإلهية والرؤية السمائية الأُخروية (الإسخاطولوجيا) Εσχατολογία حيث الحق المطلقThe Absolute Truth، والحقيقة الخالصة The Ultimate Reality بيد أن هذه الرحلة الكشفية تتخطى المدلولات العقلانية والحسية، لتدخل في التأمل النسكيAscetic Contemplation للإشعاعات المستيكية Mystical Rays لتنغمر النفس في جُرن النور الإلهي The soul in this case bathes in the basin .
هذا السُّلَّم يحملنا حيث رؤية يعقوب (تك ٢٨ : ١٢) ، كدرجات مسيرة الكمال في صعودنا الروحى نحو الله… بسُلَّم الصليب الصاعد بنا ليربط أرضنا بالسماء في (النعمة والاستجابة) و(الإيمان والأعمال) و (الخبر بالخبرة المعاشة حية) بشوق سرﻱ يحملنا إلى الله وفيه وبه… صعودًا وارتقاءً نتسلق به قمم أعلى من قياس قمم الكرة الأرضية ولُججها المنظورة. كتبها القديس يوحنا السينائى أحد أنوار هذا العالم (٥٢٥ م)؛ لتكون سُلَّمًا للفردوس الذﻱ نبدأه منذ الآن، بصدق وركض ملتهب فى الحرب اللامنظورة وحلاوة مناجاة عشرة الله ومحادثة الملائكة وخبرة الألواح الروحية للناموس الجديد، المقابلة للألواح التى تسلَّمها موسى النبي على نفس الجبل فى سيناء.
إنها درجات الفضيلة الفردوسية التي نصعدها لنبلغ الاتحاد بالله، حيث العمل على منوال جمال فُسيفساء أيقونة التقوى بالامتداد الدائم نحو الله. بالتوبة ونَخْس القلب (أع ٢ : ٣٧) والوداعة والبذل وروح الصلاة وصمت (اللسان والفكر والقلب)، مع رفض الشراهة والخبث والطمع وكل فئة شهوانية، كجنود مخلصين يعملون مشيئة من جنَّدهم بدون إهمال أو اعوجاج (جسد عفيف، فم طاهر، ذهن مستنير) مدحرجين عن قلوبهم حجر القساوة والزيف، حتى لا يكونوا كالكلب الذﻱ يرجع إلى قيئِهِ (أم ٢٦ : ١١) و (٢ بط ٢ : ٢٢)، أو الشَّغوف بفضلات اللحم لدى أبواب الجزار (القصاب).
يوصي يوحنا الدَّرَجي فى سُلَّمه بوضع أساس صالح لجهادنا، لأننا سنُطالَب عما قدمنا من غير خداع أو تشامخ أو مَقْت، ولأن ساعة موتنا مجهولة؛ وكل من يلتفت إلى الوراء لن يصلح لملكوت السموات، ولا خير ينمو ما دام قد سقاه ماء الغرور النتن. فلنجْرِ إذن هاربين إلى الأمام في سير حثيث ودؤوب حسب تدابير المشيئة الصالحة، حتى نرجع إلى وطننا السماوﻱ.
إن درجات سُلَّم الفردوس ليست مراحل نجتازها ونتخطاها؛ بل نتدرب عليها في مسيرة العمر حتى النهاية، فنتمم خلاصنا بخوف ورعدة، ويحترس من يظن فينا أنه قائم لئلا يسقط، وليعي كل مسيحي أنه صاعد على المصاعد أينما كان وكيفما كان!! سالكًا درجات السُلَّم المنصوب على الأرض حتى أبواب السماء، يجتاز صاحيًا يقظًا عاملاً بالنعمة ضد الأرواح والأفكار الخباثة ورؤساء هذا الدهر المظلم وسلاطين الهواء، حتى نبلغ الميناء (قمة السُلَّم) بالعمل والحق فنتكلل. إذ لا يتكون أﻱ إكليل من جوهرة واحدة، بل من كل الفضائل. والطوبى لكاتب هذا السُلَّم الفردوسي الذﻱ وصف أساسه بالنعمة المعطاة له كمهندس حكيم وصل إلى سفحه؛ وصار لنا دليلاً ومرشدًا؛ يتقدمنا ويرشدنا فيما ارتقى لبلوغه.
هَلُمَّ نصعد إلى بيت إلهنا ونضع فى قلوبنا مصاعد؛ ونثبِّت أقدامنا كالأيائل (مز ١٨ : ٣٣)؛ مقيمين على المشارف؛ مكملين لبلوغ السلم العقلية. ولله المجد على كل شيء.