–
"الولادة الثانية ولادة الروح" ( يوحنا ٣ : ١ – ٢١ )
في انجيل اليوم ، لا نجد ما صنع يسوع في اورشليم من الآيات والمعجزات ، لإن يوحنا حريص على الإشارة إلى أن المعلم الإلهي يعرف القلوب معرفة عميقة ، وأن إيمان الناس في مثل هذه الظروف لا يزال غير كامل .استهوى يسوع إنتباه الجموع ومن بينهم نيقوديمُس الفريسي ، من أعضاء مجلس اليهود و مُلمّ بالشريعة ومعلّم في المجمع . أبهرته شخصية المعلّم واقتنع بصحة وصدق رسالته وتعاليمه التي كانت تتمّ بسلطة وبعلامات خارقة وغير معتادة لدى زملائه الكتبة والفريسيين ، وهي تدل على تدخل الله . فدنا إلى يسوع ليلاً ، يعني ذهب إلى يسوع في الخفية والظلمة ، ليستنير من النور الحقيقي وليقوى بالإيمان والحقيقة .فطلب يسوع من نيقوديمس أن يتعالى على التراب والأرضيات وينظر إلى الأمور بمنظار جديد ليرى ملكوت الله وذلك بولادة جديدة ، والمختلفة عن ولادة الجسد . وعليه أن يعتمد بالماء والروح ليرى الله في الأشخاص والكون والحوادث ، وإلا فإنه لن يرى آثاره في العالم .وفسّر له يسوع أن المولود من التراب لا يدوم وليس كاملاً والموت مسلّط عليه . أما ملكوت الله فهو مؤبّد وكل من أراد الاشتراك به والحصول على الحياة الروحية الأبدية عليه أن يولد من الماء والروح ولادة جديدة . فالماء تنعش وتطهّر والروح يجدد القلوب ويقويها .ومن أراد أن يولد من الروح عليه أن يستسلم له ليُؤلِّه فيه ما خُلِق للتراب وليبعث فيه حياة جديدة تجعله أهلاً لملكوت الله . وتحركات الروح وإلهاماته لا تدرك كالريح الذي نجهل من أين أتى وإلى أين يذهب . ورسالة الروح القدس تنبثق من المحبة والتآخي والتسامح .فالولادة الجديدة هي عمل الروح القدس الذي يجدّد القلوب برفق ولطف وحنان ، وبطريقة نجهلها ، لأن المهم في الحياة الروحية ، أي في علاقة الإنسان مع الله هو الإستعداد النفسي لقبول تدخل الخالق في حياتنا . هذا ما لا نستطيع إدراكه كوننا لا نعرفه إلاّ بالهام إلهي . فلا عجب إذا كان الفريسيون والكتبة يستصعبون فهم كلام يسوع عن أمور السماء .يسوع ، هو الوحيد الذي يستطيع أن يتكلم عنها كونه يعيش في مودة ومحبة الآب ، يشهد بما رآه ، أي يوحي لنا ما هية الله وجوهره . هو وحده باستطاعته أن يصف لنا السماء ، حيث مقرّه الحقيقي وإليه يصعد ثانية بعد إتمام مهمته الخلاصية التي ستتم بارتفاعه على الصليب ليخلصنا ولتكون به الحياة الأبدية لكل من ينظر إليه بإيمان حيّ ويتحد به ويتبعه ملتزماً بتعاليمه . وهذا ما نلتزم به يوم المعمودية .ومشروع الحُبّ الإلهي الخلاصي ، الذي ” جاد بإبنه الوحيد لكي لا يهلك من يؤمن به “، يتم بتجسّد المسيح وبتحمُّله عبء خطايانا ليخلصنا من وطأتها .فبالإيمان بالمصلوب القائم من بين الأموات وبمحبته اللامحدودة نُخلّٓص جميعاً وتخلّص الإنسانية برمتها ، لنتمجّد معه في الأبدية .فبإلإيمان بيسوع المسيح وبالإقتداء به ، هو المنتصر على الشر وأعوانه لن نهلك ولن نُدان لإنه هو حياتنا ونعيمنا .من رفض الحُب الإلي والنور الحقيقي ، يسلك في الظلام ويحرم ذاته من الدفء الإلهي .