يقول الراهب الدومنيكيّ وِلفريد ج . هارّنغتون " يجب أن لا نتفاجأ بحقيقة أنّ ليسوع حسّ فكاهة مرهفا كما يتّضح بوجه خاصّ في أمثلته . يرمي الزارع البذر في مرقس 4 : 3 - 7 بطريقة عشوائيّة ، فيسقط منه على جانب الطريق وعلى الأرض الحجرة وبين الشوك .. لا شكّ في أنّ المزارعين كانوا ليهزأوا من سذاجة هذا المثل . ولعلّ مستمعي يسوع ضحكوا أيضا في سرّهم عندما سمعوه يتكلّم على ضرورة أن يخرج الإنسان الخشبة من عينه قبل أن يخرج القذى من عين أخيه ( متّى 7 : 1-5) . الأمر عينه في ما خصّ الرجل الذي يبني بيته على الرمل ( متى 7 : 24 - 27 ) ، إذ لا بدّ لمستمعي يسوع أن قالوا في أنفسهم : وهل مَن لا يعلم أنّ البناء على الرمل لن يدوم ، بل ستجرفه سيول الشتاء ؟
في لوقا 11 : 5 -8 ، لا شكّ في أن الإعراض العنيد عن طلب الصديق الملحّ قد أثار ردّ فعل ٍعند المستمعين : أيّ إنسان فقير يمكنه أن يتصرّف مثل التصرّف الشائن هذا ؟ ولعلّ مثل الأرملة الشجاعة ( لوقا 18 : 2 - 8 ) حدا بالمستمعين إلى التصفيق والابتسام لأن تلك المرأة استطاعت التغلّب على قاض ٍ بعنادها ، لا سيّما وأنّ القضاة كانوا معروفين بتفضيل الأغنياء ، ولم تكن لهم شعبيّة في أوساط المزارعين .
في مرقس 7 : 24 - 30 ، تتركّز الرواية على الحوار بين يسوع والمرأة الوثنيّة . تطلبُ تلك المرأة بجدّ إلى يسوع أن يشفي ابنتها . ويسوع يرفض طلبها لأنه خارج عن المألوف : " لا يَحسُن أن يؤخَذ خبزُ البنين فيُلقى إلى صغار الكلاب " (الآية 27 ) ؛ فهو يسلّم بالفرق بين اليهوديّ والوثنيّ . ولكنّ رفض يسوع لم يردع المرأة من تكرار طلبها : هي تسلّم بالفرق ولكن ، بالرغم من ذلك ، فحتّى " صغار الكلاب تأكُل تحت المائدة من فُتات ِ الأطفال " (الآية 28 ) ، ينطوي قول المرأة هذا الذي يبيّن سرعة بديهيّتها على شيء من حسّ الفكاهة خاطَب حسّ فكاهة يسوع نفسه . ويسوع طمأنها أن ابنتها بخير .
يعطي ولفريد الدومنيكيّ أيضا مثالا آخر ، من الطبيعيّ أن يكون مستمعو يسوع قد ثمّنوا مثل الوكيل (لوقا 16 : 1 - 8 ) ، وسُرّوا بروح الفكاهة التي صوّر بها جرأة الوكيل : فهذا يُقدم على عمل يُعدّ منحطّا ليخرج من ورطته . لقد بلغ سيّده عنه تبذيره أمواله ، فطلب إليه تقديم الحساب . فترك له هذا الطلب فترة قصيرة سمحت له بأن يعيد كتابة العقود مع مديني سيّده بحيث ضمن لنفسه فائدة ، وهذا إحتيالٌ صريح . أمّا الذي يحترم العقود الموقّعة باسمه فقد أثنى على سلوك وكيله العديم الأخلاق والواسع الحيلة . لا بدّ من أن تكون رواية يسوع الفاضحة هذه قد شدّت انتباه مستمعيه .
ويعطي أيضا الراهب الدومنيكيّ حدثان أخيران لا شكّ أنهما جعلا يسوع يبتسم : الأوّل ، عندما كان التلاميذ مساءً في قارب يصارعون الأمواج بسبب شدّة الرياح ( متى 14 : 22 - 27 ) . وفجأة ، يظهر يسوع ماشيا نحوهم على المياه . فيندفع بطرس بحماسته إلى طلب ملاقاته . فيأمره يسوع : " تعال ! " . ولكن ما إن بدأ بطرس السير على الماء ، حتى أصابه الذعر وصرخ طالبًا النجدة . لا بدّ من أن يسوع تبسّم حينذاك وهزّ رأسه قائلا في نفسه : " هذا بطرس ! " . والثاني ، في بيت عنيا . فلا شكّ أيضا في أنّ يسوع تبسّم عندما علا صوتُ مرتا معاتِبة : " يا ربّ ، أما تبالي أن أختي تركتني أخدُمُ وحدي ؟ فمُرها أن تساعدني "( لو 10 : 40 ) ؛ فإنه يعلم مرتا جيّدا .