فثورة الاتصالات التي تعتمل في الفيس بوك ”Facebook” وتويتر ”Twitter” واليوتيوب ”Youtube” هي أغصان فارعة من أغصان شجرة الإنترنت.
لقد دخلنا واستغرقنا في دنيا العجائب هذه، ولا يقدر أحد أن يقاوم هذه الثورة الإلكترونية مهما ظن في نفسه أنه بمنأى عنها، لذلك شمّر كثيرون عن أكمامهم ونزلوا على صفحاتها ليدخلوا هذا العالم الذي يتضمن فيضانًا من المعلومات، فلا أحد الآن يحتكر خبرًا أو معرفةً، بل الجميع يدركون “بواطن الأمور”، الجميع يُنتجون المعلومة، ولا يُوجد طرف واحد هو الذي يصب أفكاره ليقولب بها الفكر الجمعي للناس.
بعض من الجيل القديم يستغربون التيارات والتحولات والمطالبات، والتغييرات التي ينادي بها جيل الحداثة… ويستكثر البعض بل ويستنكر كيف يتجرأ هؤلاء الشباب على نقاشهم أو على اجترائهم في طلباتهم وتخطِّيهم للخطوط المقررة، بينما تغيرت طبيعة العلاقة ومسار المعلومة من الشكل الرأسي إلى الشكل الأفقي، ومن الاتجاه الفوقي الاستعلائي إلى اتجاه المشاركة و التفاعل الحُرّ، عبر الإنترنت الفسيح والمتشعب بأفكاره غير المطروقة من قبل، ولو راقبنا بتمعُّن عالم الإنترنت سنرى كيف تُصنع الدنيا من هناك، حيث فاض عالم الافتراض على عالم الواقع وتحطمت الأسوار بينهما.
لذلك من الجدير أن نُدرك أن جيل الحداثة قد تأسست ثقافته على الأفكار غير النمطية، جيلًا خلّاقًا ومتطورًا، جيلًا ثائرًا على الواقع، تهندست أفكاره عبر آليات عصر السرعة والانتشار، إنه ليس جيلًا سطحيًا أو استهلاكيًا أو قاصرًا كما يظن البعض، لكنه متنوِّر يتطلع إلى المساندة والوقاية الأولية المتمثلة في التفاهم والحوار والوقت القيِّم حتى يُعبِّر عن آفاق شبيبته، جيلًا يحتاج إلى احترامه والتلاقي معه؛ لأنه يرفض السلطة المتحجِّرة التي تحيا في غيبوبة مضت، جيلًا يرفض الاستخفاف والاستهتار به، يرفض الاستعلاء والغطرسة، ولا يقبل أن يتم التعامل معه على أنه عابث أو غير عابئ بينما هو حاضر بدوره وطاقته.
أقول هذا درءًا للمخاطر حيث أن” Tsunami ” سونامي الثورات صار ثقافة إنترنتية انتشرت في أركان الحياة كلها، وصار الشباب هم أبطاله وطاقاته العظمى التي تحرك منعطفات التاريخ.
لذا يتعين على القادة والوالدين أن يتفهموهم حتى تتجلى أحلى صور الشبيبة المتوازنة… حيث يدور الزمان دورته وسط ثقافة تقوم على “الفكرة المُلهمة” لتجعل منها ثورة بلا قيادة ولا أسماء ولا رموز بقدر ما تقوم على صناعة الفكر والإبداع والتخليق.
كذلك استجابتنا تستلزم الأخذ بأسباب العلم والابتعاد عن الحَجْر والمصادرة مع تجديد الذهنيات والروحيات والأداء… بقلوب وعقول منفتحة وبتغيير للّهجات والإيقاعات والمواقع، وطبعًا بالأُطُر البعيدة عن التطاول والتجريح والاعتباطية لأن أولاد الله ظاهرون.
فهل نحن نتحرك إيجابيًا لنواكب شبابنا في عصر الكلمة السريعة؟! إن استجابتنا لا بد أن تكون سريعة نُعدِّل بها الأوزان ونجاري بها الواقع؛ حتى لا نقع تحت وطأته ونخسر، فالتحرك البطيء والمتأخر لن يحقق المطلوب في البلوغ إلى الثمار المشتهاة… بينما الضرورة موضوعة علينا كي نوظف هذه المنجزات المعلوماتية لتكون أدوات لبنيان وخلاص العالم، وأن نُحَكِّم ضمائرنا وضمائر عالمنا ،عبر هذه الوسائل الإتصالية؛ لتكون لمجد الله الهنا؛ بحيث لانخفي أي شيء من الفوائد إلا ونخبر به؛ معلنين كل مشورة الهية سواء كانت عقيدية أو أخلاقية سلوكية عملية؛ لنكون نور وقدوة فيما ننشره أو نتداوله من صور أو أفكار أو موضوعات؛ لتكون إعلانًا وسببًا في البركة؛ حتي لا نُعثر أحدًا وحتى لا يكون النور الذي فينا ظلامًا؛ بل مثمرين أثمارًا لائقة بالإنجيل وطريق الإيمان وقوام الكرازة وجوهرها، غير مستحين بإنجيل خلاصنا؛ إذ لا حياة بدون معرفة؛ ولامعرفة صحيحة بدون حياة حقيقية، والشجرتان غُرستا الواحدة بجانب الأخرى.
مؤكدين على أن مسيحيتنا تقوم على الكرامة والحرية، حرية أولاد الله بالروح، ومسيحنا القدوس الذي هو حُر أصلًا من الجميع فيما دعانا إلى الحرية الشخصية؛ أوصانا بالمحتاجين ليس في الجسد فقط بل وفي التفكير والعمل والسلوك؛ لأن غاية المسيحية هي الانجماع الكلي، هي وحدة الإنسان، هي التجميع، والمسيح هو هو قوة التجميع أوصانا أن نحتمل الجميع من أجل البنيان ولا نُرضي أنفسنا… فالضمير الصالح هو مركز النبض الروحي لنا كحائزين على حرية البنين لله، نسعى نحو كل ما هو حق وما هو جليل وما هو عادل ومُسِرٌّ وصِيتُه حسن حسب صورة التعليم