يقول القدّيس بولس الرسول : ” إنّ الله قد أرسل إلى قلوبنا روح ابنه ليصرخ فيها : أبّا أيّها الآب ” (غلا 4 : 6)
لقد أزيلت العوائق بفضل نفحة روح الله . فموهبة مخافة الله تزيلُ من حياتنا الشهوات الثلاث ، وهذا أبلغ ما نشتاق إليه في حياتنا الرهبانيّة (خاصّة) . وموهبة القوّة ، التي تنشىء فينا الجوع والعطش إلى القداسة ، تسلّحنا سلاحــــًا كاملا تجاه واجباتنا اليوميّة والعوائق التي نلاقيها في إتمامها .
يتناول مفعول ” موهبة التقوى ” صعيد العلاقات مع الآخرين . إن فضيلة العدل هي التي تثبّتنا عادة في هذا السلام وتجعل ائتلافــــًا بين أفعالنا وحقوق الغير . بها نؤدّي لكلّ واحد ما يجب له علينا . بيد أن العدل ليس كلّ فضيلة ، فهنالك المحبّة أيضا . في العدل قوام الحياة الإجتماعيــــّة ، وفي النظام الفائق الطبيعة العدلُ قوام حياة الكنيسة والعالم . لذلك نقول عن القدّيس إنه بارٌّ وعادل . فهو حرّ من كلّ دَين لأيّ كان ، لأنه قد أدى كلّ ما عليه فأرضى حقوق الجميع ، ومنها حقوق الله أيضا .
للكلام عن روح التقوى ، أكبرُ وأعظمُ مثال لنا هو سيدنا وربنا يسوع المسيح ؛ فهو مثال التقوى السامية . تنبعثُ فينا صورة الابن الحبيب للآب . إنّ في الإنجيل وحيا جديدًا هو وحي “الأبوّة الإلهيّة ” . لا ريب أنّ في سائر الديانات معرفة مبهمة لهذه الأبوّة ، بيد أنّ سيّدنا يسوع المسيح قد شعرَ شعورا بليغــــا فريدا بعاطفة الأبناء نحو ابيهم . ولا غروَ فهو ابن الآب الواحد معه بالجوهر . قال ترتليانوس : ” ما مِن أحد يفوق الله في الأبوّة ؛ ونحن نقول : ما مِن أحد يفوق الربّ يسوع في البنوّة .
ظهرَ روح التقوى هذا في سيّدنا يسوع المسيح ، منذ أجاب ، وهو في السنّ الثانية عشرة ، أبوَيه الباحثَين عنه : ” ألا ينبغي أن أكون في ما هو لأبي ؟ إنّ حياته كلّها تسيرُ مع منطق الآب ، كيانه مرتبطٌ صميميّا بمشيئة الآب السماويّ ، وفي أقواله وأعماله هو مع ” منهج ونظام الله ” . يسوع المسيح يعترف جيّدا بسلطة مريم ويوسف عليه ، إذ كان خاضعًا لهما (يقول الإنجيل) ، لكنّه بإزاء أبيه ، لا يعرف أحد سواه . لا يحتقرُ أبدًا أبيه وأمه ولا أخوته ولا العالم ، لكنّه ، إن أرادَ أن يكون ” الابن الحقيقيّ ” ، يضعُ الله فوق العالم ، وفي مكان ” الأولويّة المطلقة ” . وهذا ، إن نحن أردنا العيش في روح البنوّة ، ما يجب أن نعمله ( الله هو أساس حياتنا ) .
لعلّنا نتساءل : كيف يمكن أن يكون لنا قلبٌ شبيهٌ بقلب سيدنا يسوع المسيح ؟ هوّذا الجواب : إنّ الروح القدس ، إن تركناه يعمل فينا ، سيحوّلنا إلى ما هو . هو روح الكلمة ، روح سيّدنا يسوع المسيح . فإنّه عندما يعِدُنا بأن يرسلَ إلينا الروح القدس يقول : هو لا يعمل من ذاته شيئا وإنّما يقول ما قد سَمِعَ ، هو يأخذ مـــمّا هو لي ويخبركم ويذكّركم ما قلته لكم (يو 16 :13 -14) . ما عساه يا ترى يأخذ ممّا هو ليسوع ؟ إنه يأخذ ما هو الأبلغ والأعمق في صميم يسوع ، ما يخصّه بالأكثر ، أي الشعور بأبوّة الآب ، والبرّ البنويّ بالآب . ذلك ما يأخذه الروح القدس ليوصله إلينــــــا .