دعوة إبراهيم إلى الانطلاق تأخذ بعدًا شاقًا عندما نرى ما يلي الدعوة. فالرب يدعو إلى إبراهيم إلى انطلاق نحو أرض هو سيبينها له: “انطلق نحو الأرض التي سأريك”. جان لويس سكا يعلق على هذه الآية فيقول: “إن أب إسرائيل لا يبادل أرضه بأرض أخرى، بل يبادل أرضه بوعد”[1]. وفي هذا الوضع أيضًا يبدو أسلوب الرب مزعجًا، متطلبًا. وهنا أيضًا يجب أن ندرك أن في تصرف الرب فسحة خلاصية، ضرورية وفيها فائدة الإنسان. فماذا يرنو الرب من طلبه هذا؟
الإنسان كائن يحتاج إلى المستقبل، فالمستقبل هو زمن البشرية، هو الوجهة لفهم واقعنا وحاضرنا. فأكثر من سعادة آنية، ولكي يتذوق السعادة الآنية، يحتاج الإنسان لسعادة يكون لها غد، يكون لها مستقبل، ويكون اللامتناهي غدها.
قلة من الأشخاص يستطيعون أن يعيشوا وقائع الحياة اليومية إذا عرفوا أن يوم موتهم قريب. ولهي نعمة أن نعرف متى سنموت! يكفي أن نفكر بالأشخاص الذين يُشخص لهم الأطباء مرضًا خطيرًا، كيف تتبدل حياتهم ويفقدون الرغبة بعيش الأمور التي كانوا يحبونها. هناك نوع من أفق مطلق ولامتناهي وهو يشكل بالنسبة لنا فسحة الأمل والعيش. بحق يقول عالم النفس فيكتور فرانكل بأننا كبشر نعيش “في وجهة المستقبل؛ ونوعًا ما في إطار الأبدية”[2]. فالحب، الصداقة والسعادة التي تعرف بالتأكيد أن لا غد لها تضحي صعبة العيش حتى اليوم. المستقبل هو صفة من صفات الله – كما يمكننا أن نستنتج من فكر إرنست بلوك – وهو بالتالي صفة من صفات الإنسان المخلوق على صورة الله. والأمر كذلك حتى ولو لم نكن واعين له.
المستقبل ليس مجرد بُعد من أبعاد الزمان، هو بعد من أبعاد وجودنا كبشر، وهو تحدٍ يجب على الإنسان أن يعيشه. هذا التحدي، في إطار دعوتنا هو تحدٍ جذري، تحدٍ للمضي قدمًا، للانفتاح على المستقبل، للانفتاح على الثقة بالله. وقد صدق اللاهوتي الألماني يورغن فربيك عندما وصف الإيمان البيبلي بأنه: “التسليم لمستقبل الله؛ فالإيمان يتحقق عندما أكتشف أنه يريد أن يقودني نحو مستقبلي”[3].