تكلم قداسة البابا فرنسيس ، في إطار تعاليمه عن مواهب الروح القدس ، عن موهبة المشورة . وهي الموهبة التي بواسطتها يقوم الله ذاته ، عبر روحه القدوس ، بإنارة قلوبنا وعقولنا ، لندرك الأسلوب الأمثل في الكلام ، وفي التصرّف ، وفي اختيار الدرب الذي علينا اتباعه ، لنبلغ خيرنا الحقيقيّ ، أي التشبّه بيسوع المسيح . فالروح القدس يساعدنا ، بواسطة موهبة المشورة ، أن نضع جانبا قناعاتنا الشخصيّة المحدودة ، وأحكامنا المسبّقة ، كي نقول للربّ ” لتكن مشيئتك“. إنها موهبة ننالها من الروح في الصلاة ، وفي العلاقة الحميمة مع الله ، وفي الإصغاء لكلمته ، وبواسطة رجالات ونساء الإيمان الذين نلتقي بهم على دروب حياتنا . ويقول أيضا قداسته : ” المشورة هي الموهبة التي من خلالها يجعل الروح القدس ضميرنا أكثر قدرة على الاختيار الحقيقيّ للشركة مع الله ، بحسب منطق يسوع وإنجيله . بهذا الشكل ينمّينا الروح القدس ، داخليًّا ، وينمينا إيجابيًّا ، وينمينا كجماعة ، ويساعدنا كي لا نسقط في الأنانيّة والرؤية الشخصيّة للأمور ، بهذا الشكل إذن يساعدنا الروح القدس أيضا لننمو ولنعيش في جماعة .
فالمشورة ، مثل باقية مواهب الروح القدس ، هي أيضا كنز للجماعة المسيحيّة بأسرها . إن الربّ لا يخاطبنا فقط في مخدع القلب الداخليّ ، وإنما يكلمنا أيضا عن طريق صوت أخوتنا وشهادتهم .
ربّ معترض ٍ : كيف يمكن أن تكون المشورة إلهـاما ووحيا ؟ لا شيء يشبه الإلهام أقلّ من المشورة التي من طبعها تسعى لتعرف أيّ قرار تتخذ ، فتزن كلّ شيء لتختار الأفضل . المشورات طويلة ومعقّدة ، فلا شيء أقلّ شبهـــــًا بالإلهام من المشورة.
المشورة ، تأتي من الشورى (أو : التشاور ) . والله ثالوث وعلاقة وتشاور . المشورة التي تأتينا من روح الآب والابن ؛ إنها ثمرة شورى الثالوث ، والروح القدس يعطيناها كاملة جاهزة ويوحي بها إلينا في داخلنا ويبثّها في قلبنا . المشورة هي خبرة علاقة وإتّحاد مع الله . تكمّل موهبة المشورة فضيلة الفطنة . يأتي الروح القدس إلينا من خلال التأمّل بكلام الله والصلاة والدخول في منطقه ، إلى كياننا ليوقظ ما هو هو نائمــــًا فينا ، ويحسّسه بما هو مهمّ وأولويّ ، لإقناعه من خلال المشورات الفعّالة الملحّة لتحقيق ما يريده الله . وكلّها لخير الإنسان وبناء كيانه . في نفس ٍ ألّهتها النعمة فصارت مشتركة في الطبيعة الإلهيّة ، في نفس ٍ هي تحت تأثير الروح القدس الدائم ومواهبه ، وتحت نعمة المسيح ، نجدُ إلهامــــًا إلهيّا مباشرًا . هو الله ، ذاته ، يأتينا ويُنير درب حياتنا ، ويجعل السُبل مستقيمة ً أمامَنا بالرغم من مصاعب وآلام الحياة .
هناكَ مشكلة ! مشكلة الذين لا يقبلون بالمشورة : لا مَن الله أو الكنيسة ، ولا من القريب أو الصديق الذي ، لربّما ، يكونُ أفَهمَ وأوعى منه ، في حالات ٍيقعُ فيها في ضيق أو مأزِق ! ويتصوّرون أنّهم مكتفون بذواتهم ولا يحتاجون لأيّ مشورة صالحة. علينا الطاعة ، طاعة كلام الله ، وطاعة السلطة الكنسيّة التعليميّة ، والقبول بأننا لا زلنـــــا صغارا أمام الله نحتاجُ لمشورة الروح القدس ، ويجب أن ننقّي ضمائرنا من التخديشات الخارجيّة التي تسيطر علينا .