يبدأ تاريخ العنف في الكتاب المقدّس بظهور قاين وهابيل . إنّ هذه البداية لها توابع ونهاية . وهي تتوقّف عند الطوفان ، الذي هو ، منذ ذلك الوقت ، اختبار نهاية العالم ( ” أجَلُ كلّ البشر ” : تك 6 : 13 ) . نشعر هنا بأننا ننقاد بنَسَب ، في خطّ من أب ٍ إلى ابن ، ينطلقُ من قاين إلى لامك . إنه جيل كائنات بشريّة ، ولكن عدم بشريّة أيضا . ” إنه يُنتقم لقاين سبعة أضعاف . وأما لمالك فسبعة وسبعين ” . ويظهر مالك ، المتحدّر من قاين ، من ذرية الطوفان ، وهو أيضا أبو نوح . نحن هنا أمام تعليم أساسيّ يقول بأنّ العنف من طبعه أن ” يتكاثــــر ” ، فإنه ينتج وتزداد سرعته ، ويخلّف عنفا أشدّ ، فهو الإنشطار النوويّ ينتشرُ بسرعة … وذلك حتى ” أجَل كلّ بشر ” .
في تك 1 – 3 ، نرى الرمزيّة الحيوانيّة . يمثّل عنف قاين بلغة رمزيّة . فصورة ما هو ” عدم بشريّ ” مقتبسة – وهذا منطقيّ – من عالم الحيوانات . فقد قال الله لقاين : ” إنّ الخطيئة رابضةٌ عند بابك ، وإليك تنقادُ أشواقها ” (تك 4 / 7 ) . إنّ فعل ” ربض ” لا يصلح إلا للحيوانات . ولذلك أضاف النصّ ” فعليك أن تسودها ” .
يضعنا كلّ ذلك حالا في عالم من الصور الرمزيّة ، فإنّ هناك قرابة بين الحيّة التي سمعت إليها المرأة الآولى والحيوان ” الرابض ” بالقرب من ابنها قاين . وهذه القرابة توحي إلينا بالرجوع من مقتل قاين إلى زلّة الثنائيّ الأوّل . فهناك يختبئ سرّ بدء العنف ، على غرار بدء ٍ آخر نجده في بدايات تك 4 : من حيوان رابض إلى حيّة . في الحالتين ، يدور الكلام على الخيار بين السماع إلى الحيوان أو بسط السلطة عليه . فهل العنيف إنسان أصبحَ حيوانا ؟ وهل يتمّ هنا مصيرُ الفرد فقط ، أم مصير كلّ مجتمع والبشرية بأسرها “كلّ بشر ” ؟ .
لكي نفهمَ ذلك ، فلنخضع لطريقة التحدّث الكتابيّة . سمّى آدم جميع الحيوانات ، ولما قام بذلك ، اعترف بأنه لم يجد أيّ حيوان يصلح لأن يكون ” عونا يناسبه ” (2 / 20) . وإذا ما بلغ العنف ذروته ، عبّر الله عن رغبته في محو الحيوانات مع الإنسان (6 / 7). عندئذ ، أظهر نوح ، البار الوحيد ، أنه آدم الجديد ، بإنقاذه الحيوانات أيضا بفضل السفينة . والإلحاح هنــــــــا واضح .
لا يكفي أن نعترف بذلك الإلحاح ، مع أننا نميلُ إلى إعتباره ظاهرة ً طفوليّة في رواية تعد قديمة . فمن الصحيح أنّ جميع تلك الفقرات تنتمي إلى الوثيقة اليهوديّة ، وهي الأقدم . فيصبح من المفيد أن نتساءل هي الوثيقة الكهنوتيّة ، وهي الأحدث بكثير والتي أتت بعد كبار الأنبياء ، حافظت على ذلك الإلحاح ؟ فالآدم الذي تصوّره الكاتب اليهوديّ قد اكتشفَ أنّ أيّ حيوان لا يشبهه . والحال أن الكاتب الكهنوتيّ يعلّم أنّ الإنسان لا يشبه إلاّ الله وأنه صورته . نجد هنا تواصلا في الإهتمام . ولكن ، علامَ يقوم ، في نظر الإنسان ، وبحسب هذه الوثيقة ، أن يكون على صورة الله ؟
هنا ، لا يجوز لنا أن نردّ على هذا السؤال إنطلاقا من ذكرياتنا أو من أفكار مسبقة . بل يجب فقط أن نعيد قراءة آيات تك 1 / 26 – 28 ) ، آخذين بنظر الإعتبار تأليفها .
يتبع