Corpus Domini

Robert Cheaib

جسدُ المسيح .. هو كلامٌ ناطق وتاريخ وعلاقة

جسد المسيح والجسد الكنسي

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

إنّ جسدَ المسيح، هو حدٌّ فاصلٌ بين التاريخ وبين الإيمان ، فهو يحوي جميعَ التاريخ القديم ، من آدم الى نوح الى موسى وكلّ أنبياء العهد القديم .. لانّه موسومٌ بنقطة تلاقي جميع الخبرات الحيّة مع الله ، الذي كانَ يُعطي النِعَم والعطايا الكاشفة لهذه السلسلة الطويلة والضروريّة لتعدّد الخبرات والشهادات الإيمانيّة ، تمهيدا لتجسّدٍ مستقبليّ ورجاء خفيّ سيُعلن في تدبير الله الأزلي.

فالجسدُ ، هو لغةٌ ، واللغةُ تستدعي الكلام الحيّ المنطوق (فلغة دون كلام هي كبتٌ وضياعٌ لحقيقة الإنسان) . جسد الانبياء كان لغة إتصال بالخليقة (ولم نقل العالم والطبيعة) ، لان القدماء في زمن العهد القديم ، كانوا لا يفهمون العالم والطبيعة كما نفهمهما نحنُ الآن : طبيعة كونيّة فيزيائيّة…! بل “خليقة الله” التي هي من عمل الخالق ومرتبطة به .

جسدُ الانبياء والآباء ، كاشفٌ لعمل الله في العالم ، بأعماله وأقواله وحركاته ومعجزاته وآلامه ، وعندما نقول “جسد” ، نقول الانسان كلّه ، لا قطعةً مفصولةً عن نفسه وروحه ، بل الانسان ذاته في علاقاته مع الآخرين والاتصال بهم . مع المسيح ، أصبحَ الجسدُ مسكونٌ كلّه بكلمةٍ إلهيّةٍ ، خلاصيّة ونهائيّة . وكما تقول الرسالة الى العبرانيين :”إنّ الله بعد ان كلّم الانبياء بأشكال شتى .. كلّمنا هذه الأيام بإبنه…” ومعنى “كلّمنا بإبنه”، نعرفُ أنّه لا توجد وسائط إتصال ماديّة بين الله وبين الإنسان ، كأن نسمع صوت الله من فوق يدعونا ويرشدنا فهذا تصوّر أخرق وصبيانيٌّ . ” كلّمنا “، أي هناكَ مصدرٌ ينقلُ الكلام الإلهيّ وهو الآب – النبع ، وهذا المصدرُ صار حدث وتاريخ حيّ ؛ أي في جسدٍ إنسانيّ ، الذي بدوره ، أصبحَ جسدا حيّا مسكونا بكلام إلهيّ، وهنا صارَ ، الجسدُ (جسد المسيح) هو ” كلام الله الحيّ والكاشف والناطق للعالم وللتاريخ ولكلّ الأنبياء”، لانه حلقة وصلٍ رابطةٍ بين الاله وبين الإنسان ، هو حدثٌ وكلام (تاريخ وكلمة) أو نقدر أن نقول (إن الكلام له تأريخٌ حيّ وليس شيئا قائما مجرّدا ونظريّا) . فأصبحَ الكلامَ الالهيّ هو واقع حياة يسوع الناصري ، وهذا الواقع الحقيقي تجلّى بأبهى صورهِ ، من خلال كثافة السرّ الخفيّ في جسده القائم .

الجسدُ التاريخي (المخلوق) ليسوع الناصريّ من رحم العذراء مريم ، والجسد الممجّد الالهي للمسيح القائم من الموت ، هو جسدٌ علائقيّ حرّ ، يقدرُ أن يتّصلَ بالكون وبالعالم وبالانسان ، لانّ الله حيٌّ وعلاقة حبّ وحريّة لا محدودة . هو الله ذاته ، في يسوع المسيح وفي جسده السريّ ، يعمل ويخلقُ دائما وأبدًا. فالله الآب ، هو أب يسوع المسيح من الازل والى الأبد.

ولا ننسى ، سرّ الكنيسة ، التي هي جسد المسيح السريّ العظيم ، وتكون الكنيسة سرٌّ كاشفٌ ، من خلال الجماعة المؤمنة الذين تربطهم آصرةُ جسد المسيح الكوني الحاوي كلّ كنور الحكمة والعلم ، والجامع لكلّ ما هو ممزّق ومقسّم لرفع عيون الجماعة المسيحيّة المؤمنةُ الى النظر والتحليق لاستباق وليمةَ الملكوت اللامنظورة من خلال سرّ الافخارستيّا المنظورة في القدّاس.

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

عدي توما

1

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير