تتواتر الاعتداءات والحرائق والسلب والنهب والتلفيات والمذابح والتهجير القسرﻱ بسبب الدين، ثم نعود بعد كل حادثة للمربع رقم واحد؛ ليكون المطلب الرئيسي للمسيحيين المصريين هو مجرد الحق في الحياة والعيش؛ على قاعدة المواطنة؛ بعد غض الطرف في كل مرة عن أسباب الأحداث وعن الإغاثة وتحقيق الأمن، ثم التحول العكسي لإيجاد التبريرات وحماية المجرمين من العقاب القانوني العادل؛ حتى أصبح كل ذلك بصمة لصناعة صفقة واحدة للخراب؛ بينما يطالب المواطنين الأقباط فقط بحق الحياة؛ وحق العودة إلى ديارهم المحروقة والمنهوبة في عقاب جماعي بسبب ديانتهم.
يسعون فقط بأن يتمكنوا من مواصلة حياتهم بسلام؛ والعفو عنهم؛ لا لأنهم قتلة ومن أرباب السجون؛ ولا لانهم خونة للوطن، ولا لأنهم هم الذين يستعدون الأجنبي ضد بلادهم؛ لكن فقط لأنهم مسيحيون!!
أيَّة جرائم عنصرية هذه؟! التي تُرتكَب يوميًا ضد الأقباط… يسرقون طعامهم وفراشهم وحليب أولادهم وأدويتهم ومقتنياتهم التي ادخروها على مدى شقاء الزمن؛ ويتركون لهم الأرض محروقة من ورائهم. تُحاك لهم المؤامرات اصطيادًا وافتعالاً كي يدفعوا ضريبة إيمانهم المسيحي.
وها هم اليوم كالبارحة يطالبون بحق العودة كلاجئين في بلادهم تحت مظلة دولة مخترقة وغائبة عن ما حدث ويحدث!! فهل تأتي مفوضية اللاجئين لتقيم لها مكتبًا خاصًا بالتهجير القسرﻱ الداخلي للأقباط في مصر تحت وطأة الاضطهاد؟! أم أن تقوم الكنيسة بعمل مدن ملجأ لمثل هذه الحوادث المُخزية؟! مثلما حدث في الكشح وأطفيح وديروط وفرشوط ونجع حمادﻱ والعامرية وصولاً إلى دهشور والفشن .
والذاكرة هنا لا تحضرني حتى أحصر كم الغزوات التي وقعت وتقع لأبناء شعبي، وكم الافتراءات الكاذبة والمحاضر الكيدية المُختلقة لأناس بيوتهم صارت خاوية خربة ومحرَّقة؛ وكأنهم ضحايا حرب، يتطلعون بحذر للرجوع إليها؛ منتظرين إشارة ممن استقووا ونهبوها واستولوا على ما فيها؛ ضمن مسلسل الاضطهاد المَقيت بسلطان من الأثيم الذﻱ يستنزف كل شيء آدمي “نفسي ومادﻱ” طفحت به كأس مرارة التمييز والضغوط والتفجيرات والمعايدات بالدم والقتل العمد على أساس الهوية.
إنها ليست أحداث فردية لكنها عنصرية بإمتياز. والقتلة ليسوا قِلة؛ لكنهم كُثُر بطول البلاد وعرضها؛ مُصابين بعصاب الظلم القهرﻱ ولوثة الكراهية المظلمة والتهييج؛ والتي لن تُفلح معها البيانات وجلسات العُرف الاستسلامية الجبرية؛ إنما الإصلاح يتحقق بعدل الله وتحقيق المواطنة وتطبيق القانون في حالة وجود دولة – إنْ وُجدت – فالجميع يزعم أنه ضد الطائفية والاضطهاد؛ ويريد أن يغسل يده منها؛ حتى وإن انغمس فيها من رأسه حتى أخمص قدميه!!
إذن كيف سنعيش وننهض في وطن واحد؟! منخور بالطائفية وعنصرية التمكين المستفحلة… بينما لا علاج إلا إذا توافرت إرادة العدل والقانون والإخلاص لوجه الله والوطن؛ العلاج هو التخلص من القهر والإكراه وهذه الأفعال الاستئصالية…العلاج هو مكافحة الدواعش وبوكو حرام… وكفاهم حرام عليهم.
أمَّا من جهتنا نحن الأقباط فأقول إن التسامح والخدّ الآخر لا يعني السكوت عن الحق، أو أن نكون جثثًا هامدة. لأننا أمام جرائم دولة وجرائم أمن قومي : تنكر وتستخف وتتواطأ وتنسى دورها بل وتشارك؛ ثم تعاقب الضحايا وتعتقلهم كرهائن وكروت ضغط للتنازلات والإذلال والرضوخ للاستهداف.
فلنتجمع ونعمل؛ كلٌ على قدر طاقته؛ في يقظة وعمل وصلاة. وكيف لا؟! وإخوتنا المتضررون في كل هذه الهجمات الإرهابية يحتاجون إلى مساندة ومساعدة وتدعيم وتأهيل على كل الأصعدة.
ولا ننسى أنه لولا إلهنا لابتلعونا ونحن أحياء. مشيئته هي خلاصنا حسب إرادته التي في كل شيء ستؤول للخير لكل الذين يحبونه ويُضطهَدون من أجل اسمه. واثقين أنه قريب وأنه سينقذنا من فم الأسود والتنانين ورئيس سلطان الهواء؛ لأنه ضابط للكل. وإنْ تأنَّى يستجيب؛ ويأتي بالتعويضات؛ ليُظهر حياته فينا ويمنح كنوزه السمائية للمتضررين والمحزونين والمشردين؛ لسبب أن اسمه قد دُعي عليهم. وهو سيكرم الذين أُهينوا واحتُقِروا وسُخِر منهم؛ بتيجان الجمال والكرامة والتروس التي لا تُقهر.
كذلك سيجازﻱ مبغضيه سخطًا وعقابًا، فلا أحد يستطيع الإفلات من عدالة الله المُجرﻱ القضاء في حينه.
ولنعلم أن الشدائد التي تجرﻱ لإخوتنا ولنا؛ هي لامتحان إيماننا؛ حتى تُنشئ صبرًا؛ ونثمر بالصبر اقتناء أنفسنا؛ في امتحان الفرز “فرز وتمييز المؤمنين” الذين أسماؤهم مكتوبة في سفر الحمل منذ تأسيس العالم. هذا الصبر الذﻱ نصبر به هو أصل كل الخيرات وملك الفضائل وأساس السُلَّم الذﻱ يلازم ذبيحة إيماننا عبر رحلة العبور كلها.
القمص أثناسيوس چورچ.