لا نستغرب ” خوف ” الحيوان من الإنسان . للتعويض والحدّ من التنازل عن العنف – لأننا حقا أمام تنازل – حرّم الله الأكل من دم الحيوانات المذبوحة . وهذا هو أصل إحدى الشرائع الغذائيّة . فإنّ ذلك الأمر بالتحديد يستدعي حالا موضوع ” صورة الله ” ، إذ إنّ الرتبة الغذائيّة تذكّر بالفردوس المفقود حيث الوداعة بين الأحياء . لكنّ الوداعة أصبحت ، أي ” النظام ” الجديد ، ضبط القوّة بالقوّة ، أي توازن العــــُنفيَن ! لكنّ صورة الله – وهذا أمر هامّ – لم تــــُفقَد ، بل تبقى في شكل منحطّ .
هل يجب أن نقول إنّ الله يُري نفسه في صورة أخرى ، تطابق ما أصبح الإنسان عليه ؟ كيف يمكن أن يرى الإنسان الله بدون المرور عبرَ ما أصبح هو نفسه ؟ وهذا ما سيُلقي أضواءً على العديد من وجوه الكتاب المقدّس ، بفضل نور يأتي من الكتاب المقدّس نفسه ، منذ صفحاته الأولى .
لننـــــتبه ! مهما تدهورت الصورة واندثرت ، فإنّ ” النظام ” الجديد ، أي الغذائيّ والإجتماعيّ والسياسيّ ، يوصف مع ذلك ، (وذلك للمرّة الآولى ) بأنه ” عهد ” والحال ، أنّ هذا العهد ، الأوّل في الكتاب المقدّس ، أقامه الله بين نفسه والبشر والحيوانات ( تك 9 : 9 و 16 ) . بذلك نكونُ قد قطعنا ، ” بفتح رواية العنف ” ، مرحلتين كبيرتين : أوّلا ، التوافق الأصيل ( تك1) . ثانيا ، نظام شريعة من حديد يكون مقبولا من كلّ مجتمع ابتداءً من نوح الذي تحدّرت منه جميع الأجيال التابعة .
يدور الكلام هنا ، كما نظنّ ، نظرًا إلى موقع تلك النصوص ، على مفاتيح أساسيّة للتاريخ الكتابيّ كلّه . ومن هنا ضرورة العودة إلى الوراء ، لكي تعكس المفاتيح معناه كلّه . نأخذ هنا فترة استراحة لنستطيع أن نزن تلك النصوص ، لأننا ندّعي إمكانيّة تأوينها من دون أن نحوّلها عن معناها .
شهادات متوازية
صحيحٌ أنّ الإلحاح على الصلة بين الإنسان والحيوان قد يفاجئنا ، فإنه يعبّر عنها بألفاظ تبدو ، لأول وهلة ، ” ساذجة ” . أفلا توحي بالإنسان الذي يُداعب أسدا يأكل العشب ، أو ، في الميثولوجيا ، بأورفيوس الذي يجتذب الوحوش الضاربة ويطوّعها بعذوبة موسيقاه ؟ هناك صور أقلّ تخيّلا ، وهي صور راقي الحيّات ، أو صور عِلم الترويض الرائع . أفلا يجبُ ، لممارسة هذه القدرة ، أن يبسط المروّض سلطته على نفسه خاصّة؟ إنّ الفرق بين الإنسان والحيوان بصفته مفتاحـــــــًا للتفكير في ” العنف ” هو أمر قد يذهب بنا إلى البعيد . هاكم بعض المعالم ..
لننطلق من الكتاب المقدّس ، من الشهادات ، إبتداءً بشهادات الكتاب المقدّس نفسه ؛ نرى الحيوانات والأمم :
صحيحٌ أنّ الكتاب المقدّس هو الذي يجد ، في الصلة بين الإنسان والحيوان ، المفهومة رمزيّا ، مفتاحا للنظام السياسيّ ، فإنّ هذا المفتاح يضع التماثُل بين الحيوانيّة والتسلّح ، والتقابل بين التسلّح والعهد السلميّ : ” وأقطعُ لهم عهدًا في ذلك اليوم مع وحوش البريّة وطيور السماء والحيوانات التي تدبّ على الأرض ، وأكسرُ القوسَ والسيف والحرب من الأرض وأريحهم في أمان ” (هو 2 : 20). المقصود هنا ، هو نوع من رواية فـــــُكّت رموزها ، في ألفاظ ٍ عمليّة ، عن العهد مع نوح ( تك 9 : 9 ) ، يعلّق عليها التوازي بين وفاق الإنسان مع الحيوان ، ونزع السلاح .
يتبع : عبادة الأوثان