كلمة البطريرك الراعي في المؤتمر الصحفي حول زيارة قداسة البابا للبنان 2012

في بكركي 13 سبتمبر 2012

Share this Entry

بكركي، الجمعة 14 سبتمبر 2012 (ZENIT.org). –

1. يسعدني أن أرحّب بالإعلاميين والإعلاميات الممثلين لوسائل الإعلام المكتوبة والمسموعة والمرئية، اللبنانية منها والعربية والدولية، ونحن على بُعد أربع وعشرين ساعة من وصول قداسة البابا بندكتوس السادس عشر إلى لبنان، وهو في زيارة راعوية وتاريخية عبر لبنان إلى بلدان الشرق الأوسط. فنقول أهلاً وسهلاً بنائب المسيح على الأرض، خليفة بطرس الرسول، راعي الكنيسة الكاثوليكية الجامعة؛ أهلاً برسول السلام إلى هذا الشرق العربي المُعذّب: أهلاً بحامل الإرشاد الرسولي “الكنيسة الكاثوليكية في الشرق الأوسط: شركة وشهادة”! القلوب والأرض مستعدّة بشوق لاستقبال الحبر الأعظم.

   يأتي قداسة البابا إلى لبنان زائراً رسوليّاً لجميع بلدان الشّرق الأوسط، التي تمثّلت في جمعيّة سينودس الأساقفة الخاصّة بمسيحيّي هذه البلدان، عندما انعقدت في روما في شهر تشرين الأوّل 2010. لقد اختار شعاراً لزيارته كلمة الربّ يسوع: “سلامي أعطيكم”، محدِّداً هكذا الغاية من الزيارةالسلام في الشّرق الاوسط.

2. اختار لبنان، لأنّه أرض لقاء وسلام، لا أرض تنافر وعنف وحرب، بفضل العيش المشترك المنظّم دستوريّاً، بين المسيحيّين والمسلمين، على أساس الميثاق الوطني 1943. التقت المسيحيّة والإسلام في لبنان بالإتّفاق على جعله دولة مدنيّة ديموقراطية، تفصل بين الدين والدولة، وتحافظ على الإجلال الكامل لله، وشريعته الإلهيّة الموحاة والمطبوعة في الطبيعة البشرية؛ دولة تتميّز بالديموقراطية والحريات العامّة، ولا سيّما حرية التعبير والرأي والعبادة والضمير، وباعتماد الشّرعة العالميّة لحقوق الإنسان؛ دولة ذات نظام متوسّط بين النظام الديني التيوقراطي المعتمد في بلدان الشّرق الاوسط، والنظام العلماني الفاصل بين الدولة والله المعتمد في بلدان الغرب؛ دولة توافق مسيحيّوها ومسلموها على عدم تبعيّتها في إلى أيّ بلد في الشّرق أو في الغرب، وبالتّالي دولة حيادية تلتزم قضايا السلام والعدالة وحقوق الشعوب، من دون انخراط في أحلاف ومحاور إقليميّة ودولية.

   3. زيارته إلى لبنان دعوة إلى اللّبنانيين لكي يحافظوا على وطنهم الذي قال عنه سلفه الكبير الطوباوي البابا يوحنا بولس الثاني أنّه “أكثر من بلد! بل هو رسالة ونموذج للشّرق وللغرب”. ودعوة إلى شعوب الشرق الأوسط للسير في خطّ الديموقراطية والعيش معاً على قاعدة التنوّع في الوحدة. ودعوة إلى الأسرة الدولية للخروج من منطق صراع الاديان والثقافات، ومن وضع الله وشريعته خارج الحياة الإجتماعية والوطنية، لئلّا تخلو من القيم الروحية والإنسانية والأخلاقية، فتتغلّب المصالح السياسية والإقتصادية على خير الشعوب والدول، وتفقد العولمة قيمة التضامن والتعاون والترابط الآيلة إلى السلام العادل والشامل في الأسرة البشرية. إنّنا في المناسبة ندين بشدّة الإساءة للإسلام ونبيّه في الفيلم المخزي “براءة المسلمين” ونعتبره إساءة لجميع الأديان. ونأسف لما أوقعت المظاهرات الإحتجاجية من ضحايا في بعض المدن العربية. ونطالب بسحب هذا الفيلم، واعتماد الأسلوب الأفضل لإيقاف هذه الإساءة.

   4. زيارته دعوة إلى السلام في شرقنا الذي تسود فيه حالياً لغة الحديد والنار، ولغة العنف والحرب، فيما اختاره الله لتحقيق سرّ التجسّد الإلهي والفداء، ولإعلان إنجيل السلام والأخوّة بين الناس. السلام في الأرض المقدّسة بحلّ النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني، والإسرائيلي – العربي؛السلام في البلدان العربية بالتعاونبين شعوبها وحكّامها في إجراء ما تحتاج إليه من إصلاحات سياسية وإقتصاديّة وإجتماعية، بالحوار والتفاهم، وبنبذ وسائل العنف والحرب، لكي تسير في خط الحداثة والعولمة والحريات العامّة وحقوق الإنسان؛ السلام في الشّرق الأوسط بمساعدة الإسلام واليهودية على خطو خطوة المسيحية، بفصل الدين عن الدولة، لكي تتأمّن الديموقراطية وقيمها الأخلاقية، وقبول الآخر المختلف، واعتماد قاعدة التنوّع في الوحدة. لا يمكن التكلّم عن إحلال الديموقراطية في أنظمة دينية تيوقراطية، ولا يمكن أن يتحقّق السلام الإجتماعي والسياسي في مثل هذه الأنظمة، لكونها لا تسمح بالحريات العامّة، ولا تعتمد شرعة حقوق الإنسان. السلام بين المسيحيين والمسلمين، لأنّ مصيراً واحداً يجمع فيما بينهم، وثقافة واحدة يبنونها معاً، ورسالة مشتركة يؤدّونها للشرق وللغرب.

   5. زيارة قداسة البابا دعوة إلى مسيحيّي الشّرق الأوسط، ليعيشوا في شركة الإتّحاد بالله والوحدةفيما بينهم ومع جميع الناس، وليؤدّوا الشهادة للمحبة وللقيم الإنجيليّة في هذا الشرق، وليلتزموا في إنماء بلدانهم المشرقية، إنماءً شاملاً، وهم في هذه البلدان، لا أقليات، بل مواطنون أصليّون عمرهم فيها ألفا سنة، ومواطنون أصيلون طبعوا ثقافات بلدانهم بقيم المسيحية، جيلاً بعد جيل، وكانوا في أساس نهضتها الثقافية والإقتصادية والعلمية.

   إنّ الحضور المسيحي في بلدان الشرق الأوسط يعطيها هوية ومعنى، ويؤدّي فيها رسالة الجسر الحضاري بين الشرق والغرب: يعرّف الشرق بحقيقة المسيحية، ويعرّف الغرب بحقيقة الإسلام. وثمّة قول مأثور: “الحارة من د
ون نصارى خسارة”.

   زيارة البابا دعوة إلى هؤلاء المسيحيين المشرقيين لترسيخ وجودهم التاريخي في لبنان والشرق الأوسط، وللتفاعل الحضاري مع محيطهم، وللعمل يإيمان وقوّة على حفظ هذا الوجود ودوره ورسالته. فلا حضور من دون رسالة.

   6. نحن نعتبر أن دعوة قداسة البابا بندكتوس لعقد سينودس خاصّ بمسيحيي الشرق الأوسط مبادرة نبويّة، وأنّ الإرشاد الرسولي، الذي سيوقّعه غداً الجمعة 14 ايلول الموافق عيد ارتفاع الصليب، هو من العناية الإلهية، لأنّه يتضمّن ما يقوله الروح لكنائس الشرق الأوسط. والكلّ عنصرة جديدة من أجل “ربيع حقيقي” في البلدان الشرق أوسطيّة، تحقّقه المسيحية والإسلام إذا التقيتا حقّاً. هذا التلاقي وحده، دون سواه، كفيل بإيجاد الحلول لأزمات هذا الشرق. فلا بدّ لذوي الإرادات الطيبة مسؤولين محليّين وإقليميين ودوليين، من أن يلقوا السلاح جانباً، ويوقفوا دوّارة العنف والتفجير والحرب، ويجلسوا إلى طاولة الحوار المخلص المتجرّد والمسؤول، جاعلين منه مائدة الحقيقة والعدالة والمحبة والسلام.

   إلى هذه المائدة يدعو قداسة البابا بندكتوس السادس عشر، بزيارته الثلاثية الأيّام إلى لبنان، لاعتباره بوّابة تلاقي المسيحية والإسلام في هذا المشرق. حقّق الله هذه الأمنيات، وعشتم جميعاً! وعاش البابا بندكتوس.

Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير