حاضرة الفاتيكان، 7 يونيو 2007 (Zenit.org) – ننشر في ما يلي ترجمة للكلمة التي وجهها البابا بندكتس السادس عشر إلى مسؤولي وطلاب الأكاديمية الحبرية الكنسية
أيها الإخوة الأساقفة الأجلاء،
حضرة الرؤساء والكهنة الأعزاء،
أهلاً بكم، أيا عائلة الأكاديمية الحبرية الكنسية! لقد استمعتُ باهتمام وامتنان إلى الكلمة التي وجهها عميدكم إليّ باسمكم وأنا أشكره من صميم القلب. إن كلمات التهنئة التي وجهها إليّ بخصوص كتاب “يسوع الناصري”، وهو ثمرة بحثي الخاص عن وجه المسيح، تبيّن أن الأكاديمية الحبرية الكنسية ترى وبحق في الرغبة المتّقدة في معرفة الرب معرفة أعمق قيمة أساسية لكل المدعوين، مثلكم أنتم، بحكم الواجب الديبلوماسي، إلى علاقة تعاون خاصة مع خليفة بطرس. فكلما سعيتم إلى لقاء وجه المسيح، أيها الطلاب الأعزاء، كلما خدمتم الكنيسة والناس – من مسيحيين وغير مسيحيين—الذين ستلتقونهم خلال أدائكم واجبكم كممثلين للكرسي الرسولي في العالم بشكل أفضل.
عندما تتسنى لي فرصة اللقاء بكم كما هي الحال اليوم لا يسعني إلا أن أفكر في الخدمة التي ستؤدونها للكنيسة في المستقبل. كما أفكر في أساقفتكم الذين أرسلوكم إلى الأكاديمية الحبرية الكنسية لمؤازرة البابا في مهمته العالمية مع الكنائس الخاصة ومختلف السلطات المدنية التي يتعاطى الكرسي الرسولي معها. إن الوظيفة التي تنتظركم والتي تتحضرون لتوليها هنا في روما هي الشهادة النوعية للكنائس وسلطات البلاد التي سيتمّ إرسالكم إليها بإذن الله.
وعلى الشهادة لكلمة الإنجيل أن تكون خدمة شهود أكفياء في كل الظروف للمهمة التي أوكلت إلى صاحبها. وبالنسبة إليكم يعني ذلك، في المقام الأول، خبرة شخصية وعميقة للإله المتجسد وعلاقة حميمة مع يسوع الذي ترسلكم الكنيسة باسمه للقيام بمهمة رسولية فريدة من نوعها. أنتم تدركون أنه لا يمكن اختصار الإيمان المسيحي بتاتاً بمجرد معرفة عقلية للمسيح وعقيدته، بل يجب أن يُترجَم دائماً في محاكاة الأمثلة التي أعطانا إياها المسيح كإبن للآب وإبن الإنسان. ومن يتعاون مع خليفة بطرس، الراعي الأسمى للكنيسة الكاثوليكية، مدعوّ بشكل خاص إلى بذل قصارى جهده ليكون راعياً حقيقياً يكون مستعداً، على مثال يسوع الراعي الصالح، لبذل حياته في سبيل خرافه.
وبالتالي كنث سعيداً للغاية لما لمسته عندكم من توق يحرككم وقد عبرتم عنه بلسان عميدكم وهو أن تكونوا رعاةً حقيقيين؛ ورعاةً على الدوام إلى جانب رعاة الكنيسة الآخرين، قبل أن تكونوا أيضاً – إلى جانب الممثلين البابويين الذين ستعملون معهم– دعاةً وصانعين للعلاقات المثمرة مع السلطات المدنية، كما يريد التقليد المسيحي الخاص. فنمّواا هذا التوق المتّقد فيكم لكي يتمكن كل من يحوط بكم أن يكتشف في كل لحظة الكاهن الذي هو فيكم. بذلك، سيتمكن الجميع من معاينة الطابع الإستثنائي والمتميز للديبلوماسية البابوية وهي ديبلوماسية، بشهادة البعثات الديبلوماسية العديدة لدى الكرسي الرسولي، وبعيداً عن الدفاع عن المصالح المادية أو الرؤى المجتزأة للإنسان، تسعى إلى تنمية القيم النابعة من الإنجيل، كتعبير عن المثل السامية التي أعلنها يسوع، المخلص الأوحد. فهذه القيم تشكل، في نهاية الأمر، إرثاً لا يستهان به تتشاركه ديانات وثقافات أخرى.
أيها الأصدقاء، حتى بعد أن تغادروا الأكاديمية –أكثر من عشرة من بينكم يستعدون لمغادرة الأكاديمية في الأسابيع المقبلة– ، إحرصوا على أن تنموا صداقة حميمة وشخصية مع يسوع، واسعوا على الدوام إلى أن يكون فيكم من الأفكار والأخلاق ما هو في المسيح يسوع (فل 2: 5). فكلما عمّقتم معرفتكم به، أصبحتم أكثر اتحاداً به وأوفياء أكثر لالتزاماتكم الكهنوتية، وأصبحتم أقدر على خدمة الناس على وجه أفضل ، وأصبح حواركم معهم أكثر خصباً ، ويمسي بلوغ السلام الذي تقترحونه في حالات التوتر والنزاع أكثر احتمالاً، وظهرت أكثر تعزية المؤاساة التي تقدمونها باسم المسيح وكنيسته للأشخاص الممتحنين والعزّل. وبهذه الطريقة، سيتضح إلى العيان التلازم القائم بين مهمتكم ورسالة إعلان كلمة الإنجيل التي يقوم بها الأشخاص المكلفون بمسؤوليات راعوية.
إخوتي الأعزاء، فيما أعهد إليكم بهذه الملاحظات المقتضبة، يسرني أن أجدد أمنياتي بكل خير لكم ولعائلاتكم. وأؤكد لكم من صميم القلب أني سأذكركم في صلواتي وأوكل الجميع إلى حماية أمنا مريم العذراء وبكل سرور أمنحكم وكل الذين يعنون بإعدادكم وكل أحبائكم بركتي الرسولية.