القاهرة، 8 يونيو 2007 (ZENIT.org). – ننشر في ما يلي الرسالة التي أُرسلت الى وكالة زينيت من قبل المونسنيور بطرس فهيم، الأسقف المساعد للأقباط الكاثوليك في القاهرة ، جواباً على الرسالة التي كتبها السيد عدنان مقراني أستاذ الإسلاميات بمعهد الدراسات حول الأديان والثقافات، في الجامعة الحبرية الغريغورية في روما
إن رسالة الأستاذ مقراني، المسلم، والتي نشرتها وكالة زينيت في 4 يونيو، وترجمتها فيما بعد الى الفرنسية والإيطالية والإنكليزية، كانت موجّهة للاب رغيد كني، الكاهن الكلداني الذي قتِل في 3 يونيو في الموصل (العراق)، مع ثلاثة شمامسة.
إن هاتين الرسالتين تظهران كيف أن الحوار بين مؤمنين من ديانات مختلفة، يمكن أن ينضج في حالات مأساوية كشهادة الأب كني.
وجاء في الرسالة التي أرسلها المونسنيور فهيم للسيد مقراني:
أخي العزيز عدنان،
السلام عليك.
شكراً لك على إنسانيتك، على إيمانك، على أمانتك وعلى لطافتك. إن رسالتك للأخ رغيد الذي قُتِل في العراق هي رسالة سلام يدوي صداها في عالم الحرب الجنونية والحمقاء. أشكرك على إحساسك تجاه الكل وكل شيء. عرفتك صديقاً، أخاً ورجلاً مسلماً مؤمناً، مميَّزاً في إنسانيتك وفي إيمانك.
شكراً لك على تضامنك. أتمنى أن أجد دائماً أشخاصاً كمثلك، قادرين على إعطاء معنى للحياة، بغض النظر الى أية ديانة ينتمون، وأتمنى أيضاً اللقاء بهؤلاء الأشخاص والعمل معاً من أجل عالمنا العربي ومن أجل إخوتنا المتألمين لأسباب عدة، ومنها الأسباب الدينية.
على أمل أن ألقاك قريباً، أشكرك وأقبلك بعاطفة أخوية في الإله الواحد الذي يدعو الجميع الى محبة الحياة والسلام
لمونسنيور بطرس فهيم
ولمزيد من الإيضاحات، تنشر وكالة زينيت رسالة السيد مقراني للأب رغيد من جديد:
بسم الله الرحمن الرحيم
روما في 4 يونيو 2007
أخي رغيد…
معذرةً أخي لأنني لم أكن إلى جنبك عندما أطلق المجرمون النار عليك وعلى إخوانك، ولكن الرصاصات التي اخترقت جسدك الطاهر اخترقت أيضا قلبي وروحي.
كنتَ من أول الوجوه التي عرفتها عندما قدمتُ إلى روما، في أروقة أنجيليكوم تعارفنا وشربنا الكابوتشينو معا في مقهى الجامعة، أذهلتني براءتك وبشاشتك وابتسامتك العذبة الصافية التي لا تفارقك، لا أستطيع أن أتخيّلك إلا مبتسمًا سعيدًا رغيدًا.
رغيد بالنسبة لي هو البراءة المتجسّدة، براءة حكيمة تحمل في قلبها هموم شعبها بكامله. أتذكّر عندما كنّا في مقهى الجامعة أيام حصار العراق، قلت لي إنه بثمن كوب واحد من الكابوتشينو يمكن لعائلة عراقية أن تعيش يومًا كاملاً، وكأنّك كنت تشعر بشيء من الذنب لوجودك بعيدا عن المحاصرين ولا تشاركهم آلامهم…
ها أنت عدت إلى العراق لا فقط لتشارك الناس آلامهم بل لتختلط دماؤك بدماء آلاف العراقيين الذين يموتون يوميا. أتذكّر جيدا يوم رسامتك في الأوربانيانا، أتذكّر الدموع في عينيك، قلت لي: “اليوم متُّ في نفسي”، كانت عبارة صعبةبالنسبة لي، لم أفهمها جيدا، أو لعلي لم آخذها مأخذ الجدّ كما يجب…
اليوم بشهادتك فهمت، لقد متّ في نفسك وجسدك لتقوم في حبيبك وسيدك، وليقوم المسيح فيك رغم الآلام والأحزان، رغم العبث والجنون.
لا أدري باسم أي إله للموت قتلوك، باسم أية وثنية صلبوك… هل يعلمون حقا ماذا كانوا يفعلون؟!
لا نسألك اللهمّ ثأرًا أو انتقامًا، بل انتصارًا… انتصارا للحق على الباطل، للحياة على الموت، للبراءة على الغدر، للدماء على السيف…
لن تضيع دماؤك هدرًا يا رغيد، تقدّس تراب بلدك بك، وستبقى ابتسامتك العذبة من السماء بشارة خير لنا في الليل البهيم…
معذرةً أخي، عندما يلتقي الأحياء يظنون أن لديهم ما يكفي من الوقت لكي يتحدثوا ويتزاورا ويعبّروا عن مكنونات قلوبهم، لقد دعوتني إلى العراق، ولا زلت أحلم بذلك، لأزور بيتك وأهلك ومكتبك، لم أتصوّر أن أزور قبرك أو أقرأ الفاتحة على روحك.
صاحبتك يومًا لتشتري التذكارات والهدايا لأهلك قبيل أول زيارة لك للعراق بعد مدة من الغياب، حدثتني عن عملكالمستقبلي، وقلت لي: “أريد أن أحكم بين الناس بالمحبة قبل العدل”، وكان صعبًا عليّ آنذاك أن أتصوّرك “قاضيًا” كنسيًا…
ولكن اليوم دمك وشهادتك يحكماننا، حكم الوفاء والصبر، حكم الأمل رغم الألم، حكم البقاء رغم الفناء…
أخي، لم يسل دمك عبثًا ولا هدرًا، ومذبح كنيستك لم يكن للضحك على الذقون… لقد أخذتَ الأمر محمل الجدّ وإلى النهاية، بابتسامة لا تنطفئ… أبدًا.
أخوك الذي يحبّك…
عدنان المقراني