قصة آدم وحوّاء .. بين الرمزية والواقعيّة

الحلقة السادسة

Share this Entry

سندخل هنا في هذه الحلقة السادسة من موضوعنا ، حول قصّة آدم وحواء ، لأبعاد لاهوتيّة أكثر تعمّقا وتحتاجُ للقارئ الكريم أن يفتحَ ذهنه وفكره أكثرَ فأكثرَ ، وأن يقفَ متأمّلا فيما سنقولهُ الآن في هذه الحلقة السادسة ، وهي بخصوص: الشجرتان ، الحيّة ، الرجل و المرأة ، والعلاقة بينهما ومع الله.

لنتوقّف قليلا لدى الشجرتين :

الأولى: شجرةُ الحياة ، لا تأخذ أهميّة في سياق النصّ، وليست موضوع تجربة للإنسان. يبدو أنه لم تأتيه أبدًا ” تجربة الخلود “. الشجرة موجودةٌ . هل تذوّقها الإنسان ؟ لا نعرف ، المهمّ الإنسان في الجنة يستظلّ بها. وهي بمثابةِ رمز لكلّ الخليقة وعلامة حضور وبركة. أنها قد تمثّل وتشيرُ إلى ” المسيح – صورةُ الإكتمال الإنسانيّ – والحقيقية الإلهيّة القائمةُ دائمًا أمام الإنسان وقراره وحريّته ” .. نقولُ قد، ولا يمكن أن نعطيَ المطلقيّة في الموضوع.  لم يأكل الإنسان منها لكن النصّ لا يعير أكلها أو عدم أكلها أهميّة: منطقية النصّ تجعلنا نفهم أن الإنسان كان يحيا من شجرة الحياة (إذن ، قد تعطنا تلميحًا لله ذاتهُ – هو حضور الحياة للعالم وللإنسان – وسيكونُ الصليب رمزًا للحياة الإنسانية الحقيقية والدخول في عهد جديد وصورة جديدة للإنسان وللتجديده– إنّ الصليب هو الحياة ” هو شجرة الحياة الحقيقيّة “.

الشجرةُ الثانية : ليست ندّا للأولى ، فليستْ شجرة الموت، بل شجرةُ معرفة الخير والشرّ ، إنها شجرة ممنوعة. لماذا المنع؟ الجواب سيكون دائما في شموليّة النصّ. الممنوع على الإنسان هو أن يضع نفسه مكان الله ، أي أن يقرّر ما هو خير وما هو شرّ. لماذا هي ممنوعةٌ ؟ ليس لإنّ الله يغار على إمتيازاته (كما يدّعي المجرّب والأساطير البابليّة) . فالإنسانُ داخل الخليقة، وإذا وضع نفسه مكان الله فهو يدمّرها ويحمل إليها الموت والكذب والعنف. يجبُ أذن أن يمنع من ذلك بأيّ ثمنْ. لإنّ الإنسان ليس الله (وأدم أراد أن يكون كذلك ) وإذا إدّعى أنه الله، ستعود أعمالهُ وقراراته عليه بالوبال.. فالله مختلفٌ وخلق الإنسان مختلفا، وفي الإختلاف يمكنُ سرّ الخلق الحقيقي وسرّ المحبّة الخلاّقة.. والإختلاف هو حقيقة المحبة والتبادل الحقيقيّ وليس التشابه بين الكائنين.. وهنا، نجدُ تلميحًا لسرّ الثالوث الأقدس: الله آب وإبن وروح قدس.. ثلاثةُ أقانيمَ في جوهر واحد، بغير إختلاط ولا تمازج ولا تشابه، إنه سرّ المحبّة الإلهيّة !.. على كلّ حال،  في النهاية تبدو شجرة معرفة الخير والشرّ ، إنعكاس  لما تقدّمه شجرة الحياة .. إنها تؤام لها ، برغم أنها لا تشغلُ المكان المركزيّ. وفي الأخير نقدرُ أن نقول: إنها علامة للبركة أيضا، والبركة لا نشعر بها ، إلاّ عندما نفقدها، شأنها شأن الصحّة.

الآيات 18 – 25  من الفصل الثاني من سفر التكوين ، هي تكميل خلق الرجل بخلقة المرأة. تبدأ بإعلان رسميّ من الله يفتتحُ به الكاتب هذا القسم مركزا على أهميّته: ” لا يحسنَ أن يكون الإنسان وحده ” أي وجهه بوجه الحائط  ! سيأتي صدى هذه الكلمات في قول الرجل: ” هذه المرأةُ هي عظمٌ عظمي ، ولحمٌ من لحمي” .. إذن ، هنا عطاء من الله ، وشكرٌ نابعٌ من الفرح كجواب عليه. لقد كان الله قبلَ هذا قد إستعرضَ أمامَ الإنسان كلّ حيوانات الأرض ليسمّيها. وهذا عنصر مهمّ . التسميةُ هي إعلان السيطرة على شيء ما وهذا ما يعنيه النصّ: الإنسان يشغل المحلّ المركزيّ في الخليقة. إنه الملكْ ! . عليه أن يمارسَ فعليّا سلطته. في الفصلين 2 , 3 من السفر ، نطلع على منطلق وإتجاه ممارسة السلطة في الأحداث: إنها سلطة الموت. فسلطتهِ صحيحة طالما إعترف أنه خليقة ، وأن كلّ شيء عطيّة ، وأنّ عليه أن يشكرَ، وبعكس ذلكَ سيغوصُ في الكذبَ والعنف وسيجرّ وراءه كلّ الخليقة عندما يتجاوز حدوده . صحيحٌ هو مدعوّ أن يخلق مع الله (في تسميته للحيوانات) لا بل هذه دعوته ، لكنه ليس الخالق الأول والأخير ، إنه خالقٌ عندما يستجيبْ.

الآيات الأخيرة من هذا الفصل، تترك القارئ على جوعه، إذ يبدو مقطوعًا ناقصًا. فخلقة الإنسان تبدو ناقصة : الإنسانيّة هي : الرجل + المرأة . فكلّ واحد منّا يشعر في جسده إنه ناقصٌ غير منتهٍ. غير متكامل ، غير قائم بذاته. فأنا لستُ سوى رجل أو إمرأة. ليست أبدًا كلاهما. في هذا النقص نقرأ سفر الخروج ونقرأ السبي، لاحظوا ما أروع الكاتب والراوي وما أروع الكتاب المقدّس في وصفه للأمور وشرحه للأحداث بطريقةٍ ملهمةٍ حيّة: هناكَ دائمًا أرض تنتظرني ولقاء قادمٌ نحوي. فحوّاء = الحياة … توضع كحقيقة شاهدة ، أيّ أنها تشيرُ إلى حياة وحضور الله ، الذي من اللازم والمفروض، أن يجدهُ الإنسان في أعماقه كنقص عميق في ذاته، ولا يكتملُ إلا به وبلقاءه : أنه الحياة ، وأرض الميعاد الحقيقيّة – إنه الفردوس والجنّة والملكوتْ.. هنا نفهم، أن الخلقة ناقصة ، تسعى إلى نحو كمالها. الضلعُ الناقص في آدم، يرمزُ إلى النقص المرسوم في جسده. وهو مدعوّ دائمًا إلى أن يقطعَ الصلةَ بأصوله (يترك أباه وأمه) كي يدخلَ في تأريخ جديد (يلزم إمرأته)..  والإلتصاق بالله ، هو أيضا، قطع من الأصول القديمة ، والتعلّق وايجاد الذات والتاريخ الحقيقي والأصل الكامل ، فيه هو وحده.. وهذا أيضا ما نراه في دعوة أبينا أبراهيم ، فكان يقول الله له ” أترك أرضك وعشيرتكَ وبيتكَ … وأذهب إلى الأرض التي أريكَ …” فيقول الكتاب عن ابراهيم ” ذهب ولم يعرف أين يسير ويمضي  .. الإيمان مسيرةٌ طويلة للمجهول القادم نحوي .. إنه اللقاء مع الله – الحيّ – الآخر. ويجب تركُ كلّ جذورنا القديمة للإلتصاق بالله وحده، به حياتنا
وحركتنا ووجودنا وأصلنا ومبدأنا ، لإنه هو الأصل والبدء والمبدأ الحقيقي : ” في البدء كان الكلمة …” يوحنا 1.

يتبع

Share this Entry

عدي توما

1

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير