قصة آدم وحوّاء .. بين الرمزية والواقعيّة

الحلقة الثامنة ..

Share this Entry

أ –

سنرى في هذه الحلقات الأخيرة موضوعان مهمّان ” الخطيئة الأصليّة .. ما هي ؟

وموضوع هل إنحدرَ الإنسان من أصل واحد أم متعدّد ؟

وسنرى أيضا موضوعًا لطالما يشغل بال الكثيرين ويكونُ حجرَ عثرة في طريق الإيمان ، ألا وهو ” نظرية التطوّر والخلق الكتابيّ ” وهل هناكَ تعارض بين الإثنين ، كيف نقدرُ أن نفهمَ النصوص الكتابيّة ، وما يقوله العلم الآن ؟!

مشكلة عويصة هذه التي يدعوها البعضُ من الناس ، ” الخطيئة الأصليّة ” ! ، لإنها تخلقُ تساؤلات عديدة  في الفكر المسيحيّ ، وقد يصاب المؤمن بحيرات كثيرة : مَنْ يُصدّق ؟ ومن لا يصدّق ؟ ومن يقول الصدق ، هل الكنيسة ، أم الكتاب المقدّس ، الذي يجبْ أن أقرأه بكل ما يقولهُ ولا داعي لتعاليم خارجيّة لا فائدةَ منها ، والبعض يقف موقف اللا أدري ” أي أني أقرأ وأقبل ما جاءَ في سفر التكوين ، وأن آدم شخصٌ حقيقيٌّ وإسمُ علم واقعي عاشَ في كذا فترة إقترفَ جريمة كبيرة مع (عقيلته – حواء ) ، ونحنُ ” تورّطنا بهذه الجريمة الفظيعة ” ولهذا جاءنا المسيح كي يحلّ المشكلة من أساسها وإنتهى الأمر … ! هنا الكثيرون ، لا أقول جميعا الناس ، يفكّرون هكذا .. لكن ، في علم دراسة الكتاب المقدّس واللاهوت ، لا نكتفي فقط ، بإن نقبلَ النصوص الحرفيّة المكتوبة من دون أن نمدّ يدنا وفكرنا وخبرتنا وخبرة الذين عاشوا قبلنا ، بل أن ندخل أكثر وأكثر في فهم كيفيّة كتابتها ، وماذا تقصدُ ، وماذا تريد أن تقوله لنا ..

لنقل قبل أيّ شيء : لا يمكنُ فهمُ نصوص الكتاب المقدّس ، وخاصة سفر التكوين (الرواية التي تحكي أدم وحواء والخطيئة الأصليّة ) ، من دون فهم سرّ المسيح ، أي علينا أن ندركَ جيّدا أن المسيح يُسلّط الضوء الحيّ على آدم الأول ، وليس العكس . بالنعمةِ الإلهية ، نحن نفهم ونعي شموليّة وقباحة الخطيئة الأصليّة .. ولماذا كلمة ” أصليّة ” !؟ البعض يقولون ” الخطيئة الجديّة ” !!

يقول كتاب التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكيّة :

الخطيئةُ موجودة في تاريخ الإنسان : قد تكونُ من العبث محاولةُ تجاهلها ، أو إلقاء أسماء أخرى على هذه الحقيقة الغامضة . ولكي نحاول فهم ما هي الخطيئة الأصليّة ، يجبُ أولا معرفة : صلة الإنسان العميقة بالله ، إذ إنه خارج هذه العلاقة ، لا يُكشف عن شرّ الخطيئة في حقيقة كونه رفضا  ومقاومة ً في وجه الله ، مع بقائه عبئا ثقيلا على حياة الإنسان وعلى التاريخ . (الفقرة 386)

ويقول أيضا التعليم الكاثوليكيّ : ” حقيقة الخطيئة ، ولا سيّما خطيئة الأصول ، لا تتّضح إلا على نور الوحي الإلهيّ ، فبدون المعرفة التي يُعطيناها عن الله لا تمكنُ معرفة الخطيئة معرفة ً واضحة ً ، فنكونُ معرّضين لتفسيرها على أنها نقصٌ في النموّ فقط ، ضعفٌ نفسيّ ، ضلالٌ ، نتيجةٌ حتميّة لبُنية إجتماعيّة غيرِ ملائمة . ففي معرفة قصد الله بالنسبة إلى الإنسان فقط تُفهَم الخطيئة على أنها سوءُ إستعمال للحرية التي يمنحها الله للأشخاص المخلوقين ، لكي يتمكّنوا من محبّته ، ومن محبّة بعضهم البعض ” (الفقرة 387).

في يسوع المسيح وحدَه ، أتضحتْ لنا شموليّة الخطيئة وإتضحَ لنا طابعها الجذريّ . يسوع المسيح وحدهُ كشفَ لنا وضعنا الحقيقيّ في الخلاص كما في الهلاك. وهكذا تبيّنت بوضوح شموليّة قدرة الخطيئة التي تسودُ على البشريّة بمثابةِ قدرةِ موت . غير أنّ معرفة شموليّة الخطيئة  ليست ” سوى الناحية السلبيّة لشموليّة الخلاص ” في يسوع المسيح . إن كان بإمكاننا هنا القول: أنْ لا خلاص إلا بيسوع المسيح ، فما ذلك إلا لإننا نعرف أن الخلاص أعطيَ لنا في يسوع المسيح من أجل الجميع : ” تأكيدُ الخطيئة لا معنى له في ذاته ” ، إنما هو تعبيرٌ عن وفرة الخلاص الذي جاءنا به يسوع المسيح وعن شموليّته.

إذن ، في نظر العقيدة والتعليم الكاثوليكيّين ، مفهوم الخطيئة الأصليّة ، هي حالة عدم خلاص يوجَد فيها الإنسان والبشريّة . وهذا يعني، أنّ ماضي الإنسان إنطلاقا من علاقته بالأجيال السالفة ، لا يمكنُ أن ينتج منه مستقبله الحقيقيّ ، أي ” الشراكة مع الله ” .. هكذا ، يفتقرُ الإنسان إلى إكتماله الحقيقيّ ، أي إلى القداسة والبرارة ومشاركة حياة الله. ومن التغرّب عن الله ينتج ، تغرّب الإنسان عن العالم وعن أخيه الإنسان ، وعن ذاته .

سنرى في ب : ماذا يقولُ اللاهوتيينَ عن الخطيئة الأصليّة ؟

سأعطي بعضًا من مقتطفاتٍ لآباء ولاهوتيين تكلّموا ، كلٌ بحسب خبرته ونظرته للموضوع ، عن الخطيئة الأصليّة ومعانيها الكثيرة ..

Share this Entry

عدي توما

1

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير