بلغتنا صلاة الأبانا بصيغتين : نصّ متّى 6 : 9- 13 ، ونصّ لوقا 11 : 2 – 4 . ونصّ لوقا هو الأقصر –يعكسُ بالأكثر حالة النصّ الأوّلية. وفي عهد مبكّر ، فرضتْ صيغة متى نفسها على الكنائس ؛ وفي عهد ٍ مبكّر أيضا ، أضافت مخطوطات لهذا الإنجيل خلاصة ليتورجيّة ( لإنّ لكَ الملك والقوّة والمجد ) . والنصّ اليونانيّ هنا ، يدعنا نستشفّ اللغة السامية الأصليّة ، أكثر من أيّ مكان آخر من الأناجيل . ومن هنا جاءَ ذلك الغنى الذي يصعُب أداؤه. لذا كان من المفيد جدّا أن نقارن بين الترجمات في طبعات مختلفة من الكتاب المقدّس .
الصلاة اليهوديّة اليوميّة والصلاة الربيّة
ينتمي يسوع إلى شعب ٍ ، تحتلّ فيه الصلاة مكانة مرموقة ، سواء على مداء السنة ، في أثناء الحجّ الثلاثة الكبرى ( الفصح ، العَنصرة ، المظال ) ، أم في الحياة اليوميّة حيث تتخلّل النشاطات كلّها إبتهالات ٍ وبركات ٍ . والعبادة في الهيكل هي الأساس من صلاة إسرائيل : ففي كلّ صباح ٍ ومساء ٍ ( بعد الظهر ) ، يقرّب الكهنة الذبيحة الدائمة . وفي الساعات ذاتها ، يجتمعُ الرجالُ للصلاة ، أو يصلّون بشكل فرديّ ( دا 9 : 21 ، عز 9 ) . وتعتبرُ الصلاة الجماعية عبادة تشبه العبادات المُقامة في الهيكل . ترافقها تلاوة ” إسمع يا إسرائيل ” ، وهي بمثابة قانون إيمان ( تث 6 : 4 – 9 و 11 : 13 – 21 ) .
وهذه الممارسة مشهودٌ لها منذ القرن 12 ق . م . وقد تحدّث المؤرّخ فيلافيوس يوسيفوس عنها بهذه العبارات : ” مرّتين في كلّ يوم ، في بدايته ، وحيث تقتربُ ساعة ُ النوم يجبُ أن نحيي أمام الله ، وبمشاعر الشكر ، ذكر العطايا التي صنعها بعد الخروج من مصر ” .
تدريجيّا ، إمتزَجتْ في الحياة اليوميّة هذه الممارسات المختلفة ، وإتخذت الشكل التالي : لدى تلاوة ” إسمع يا إسرائيل ” صباحًا ومساءً ، كانت تُضاف الــ ” تيفيله ” وهي ( الصلاة ) التي تتألف من 18 بركة ، في حين كانت تُتلى الـ ” تيفيله ” فقط بعد الظهر إبّأن تقدمة المساء في الهيكل .
الــ “تيفيله” ، هي الصلاة العظمى ، وقد أصبحت ، مع بركاتها الثمانية عشرة ( شيمونية عشريّة ) ، الصلاة الرسميّة الأكثرُ تمثيلا للدين اليهوديّ ، على حدّ تعبير ج . بونسيرفن j . Bonsirven . وتُسمّى أيضا ” عموده ” من فعل (عمد = وقف ) ، لإنّها كانت تتلى وقوفـــًا . وتحومُ التردّدات حول أصلها ، إلاّ أنه من الواضح جدّا ، أن صيغ البركات الحالية ، قد جاءت من عصور ٍ مختلفة ، ولم يكن عددها دومًا (18) بركة ، وبعضها يرقى ولا شكّ إلى عهد ما قبل المسيح ، أما بُنية الــ “تيفيله ” ، فيبدو أنها قد أستقرّت في زمن جمالائيل الثاني في حوالى العام 90 /100 ب.م .