عِيسو ويسوع 3

للأب هاني باخوم كيرولس

Share this Entry

روما، الجمعة 2 يوليو 2010 (Zenit.org). – عِيسو بكر اِسحق باعَ بكريته وفقد بذلك البركة: فالبركة هي ان يكون ابناً. عِيسو من اجل الطعام، ومن اجل ان يشبع نفسه وقت الجوع، كي لا يموت، باع بكريّته وهكذا فقد نفسه؛ كيانه، معنى وجوده.

يأكل فيكتشف انه فقد كل شيء. يتعرى من كرامته كابن فيصبح خادماً لإخيه. يتعرى من كيانه كابن فيصبح مطارِداً للابن: كان هدفه في البداية ان يحافظ على حياته ويحميها فيجد نفسه الآن ساعياً الى قتل اخيه ( تك 27: 41).

يأكل من الطعام الذي يجده امامه. الطعام في الكتاب المقدس له معنى هام: فالطعام ضروري للإنسان؛ فلكي يحيا يجب ان يأكل. عبر التاريخ، احداث كثيرة يتدخل فيها الرب مع شعبه، من خلال الطعام: الشعب الذي تحرر من عبودية فرعون يتذمر في الصحراء لانه اشتاق لطعام مصر؛ الرب ينعم عليه بالمن يوماً بعد يوماً؛ المسيح يطعم الجموع… اشياء كثيرة تخص الطعام، لكن ثمة شيء آخر، يقول يسوع: “لي طعام انتم لا تعرفونه….. طعامي ان اعمل مشيئة الذي ارسلني” (يو 4: 32- 34)، “فلا تعملوا من اجل الطعام الذي يفنى بل للذي يبقى للحياة الأبدية” (يو 6: 27).

بجانب المعنى المادي للطعام، يقدم لنا الكتاب المقدس، معنى آخر: الطعام الذي يجعل الإنسان يحيا، ينمو ويبقى حياً الى الابد، فما هو؟ ما هو هذا الطعام الذي اذا اكل منه الانسان لا يموت من بعد؟ ما هو هذا الطعام الذي اذا ما وجده لا يختبر الفناء ويتحرر من الموت، وان مات يحيا؟

“طعامي ان اعمل مشيئة الذي ارسلني”. نعم! هذا هو الطعام الحقيقي الذي يجعل الإنسان يحيا الى الأبد: العمل بمشئية الآب. لكن الأمر يصعب اكثر، فما هي مشيئة الآب؟ ان نتزوج؟ ان نكرس حياتنا للكهنوت او الحياة الرهبانية؟ ان نكون مبشرين او مرسلين؟ ان نحارب الظلم وننهي الطغيان؟ ان نحقق عدالة كاملة ومكتملة على الأرض؟ ان لا يكون فقير او مريض من بعد؟ ما هي مشيئة الآب؟  

يقول يسوع: “مشيئة ابي هي ان لا اُهلك احداً من جميع ما أعطانيه، بل أُقيمه في اليوم الأخير” (يو 6: 39). تلك هي مشيئة الآب ان يخلص الإنسان، فيجد قيامةً في اليوم الأخير. تلك هي مشيئة الله، هذا هو الطعام الحقيقي الذي اذا عملنا من اجله نحيا الى الأبد: ان نعمل من اجل تلك المشيئة، ان نعمل من اجل هذا الخلاص؛ في كهنوتنا، تكرسنا، زواجنا، عزوبيتنا، مرضنا، صحتنا….في اية حالة كنا فيها. هذا هو الطعام الذي لا يَفنى؛ ان نشارك الآب في خلاص العالم اينما كنا. هذا ما يبقى الى الأبد. ان نأكل من هذا الطعام: ان نحقق تلك المشيئة، ان نساهم مع الرب في خلاص كل انسان.

عِيسو يبحث عن خلاص نفسه، يأكل كي يخلص ذاته من الجوع، ولا يهتم بالبكريه التي هي اختيار من الرب له. لا يهتم بها بل يحتقرها ويستخف بها. في لحظة التجربة والجوع عمل من اجل خبز فانٍ وترك الطعام الآخر. عِيسو بالعبرية يعني “العامل”، اي الذي يعمل من اجل شيء ما. عِيسو عمل من اجل ان يحيا هو؛ بكر يبيع بكريته. وهناك بكرٌ آخر، لا، بالأحرى البكر: يسوع المسيح، الذي جاع ولم يعمل للطعام الذي يفنى. الذي تألم ولم يعمل للطعام الذي ينتهي، بل عمل للطعام الذي يبقى، لخلاص العالم، مات لكنه قام كي تتحقق فيه الكلمة “من يأكل من هذا الخبز لا يموت الى الأبد وان مات فسيحيا”. قام كدليل وعربون للقيامة لكل من يعمل لأجل هذا الطعام الابدي: مشيئة الآب؛ خلاص الامم.

عِيسو بكرٌ ويسوع هو البكرٌ. عِيسو يعمل كي يحيا ويسوع يعمل كي يحقق مشيئة الآب فيحيا. الرب اقام البكر، ابنه الذي عمل بمشيئته لخلاص العالم. ليخلص اليوم وكل يوم كل من يجد نفسه عاملاً من اجل نفسه ومن اجل طعام فانٍ، كي يعطي لكل عِيسو منا الرغبة والقدرة والغيرة على عمل مشيئة الآب.

تناولُنا لجسد الرب ودمه، علامة سرية مقدسة، بها نقول نعم، نرغب بالعمل من اجل هذا الطعام الأبدي: العمل بمشيئة الرب. ففعل الاكل لجسد ودم الرب علامة على اننا في حياتنا نأكل من هذا الطعام الابدي، ونعمل من اجله: خلاص البشر. لكن كيف، كيف نستطيع ان نقرأ حياتنا ونفسرها من هذا المنطلق؟ ان يكون طعامنا الأساسي هو هذا الطعام الذي لا يفنى؟… الى مواضيع أخرى.

أيام مباركة…. 

Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير