الكرسي الرسولي حول الحركة التربوية

Share this Entry

روما، الاثنين 05 يوليو 2010 (Zenit.org) – ننشر في ما يلي التحية التي وجهها رئيس المجلس الحبري للمهاجرين والمسافرين وأمين سره إلى أعضاء خدمة الكنائس الأوروبية للطلاب الدوليين. ستلتقي الجماعة هذا الأسبوع في نامور البلجيكية.

***

فيما تجتمعون مجدداً في لقائكم السنوي، يسرني أن أوجه إليكم تحياتي وتمنياتي الطيبة لتشاوراتكم.

اليوم، تتزايد الحركة التربوية ضمن جامعات العالم بنموها ثلاثة أضعاف منذ سنة 1975. فزيادة التمويل والمنح لبلدان العالم الثالث، مع ظهور الصين والبلدان الآسيوية الأخرى، من شأنه أن يغير نماذج حركة الطلاب والأساتذة الدوليين غير الخبراء حتى الآن. كما أن نمو مجال أوروبي للتعليم العالي من خلال اتفاقية بولونيا، وتوسع خطط وبرامج التبادل، سيكون لهما تأثير خارج حدود أوروبا نفسها. إنه زمن مهم لتنمية التعليم العالي. إضافة إلى ذلك، تشير التوقعات الأخيرة إلى أن عدد الطلاب الدوليين سيرتفع من 3 ملايين سنة 2010 إلى 7.2 مليون سنة 2025.

إن الموضوع الذي اخترتموه للقائكم “لغة الإيمان ولغة العلوم، تحد للطلاب الدوليين في اقتصاد السوق” هو موضوع مهم يصب في قلب رسالة الكنيسة الرعوية ضمن الجامعات. وتركيزكم على الطلاب الأجانب في أوروبا إضافة إلى العناية الرعوية الخاصة من شأنهما أن يساعدا على فتح هذه المسألة الهامة بين علاقة الإيمان والعقل والرؤية الخاصة في تنشئة الشباب. هنا، يذكرنا المجمع الفاتيكاني الثاني بأن مستقبل البشرية هو “بين أيدي القادرين على تزويد الأجيال المستقبلية بأسباب للحياة والتفاؤل”[1].

في رسالته العامة المهمة “العقل والإيمان” [2]، يوضح البابا يوحنا بولس الثاني أن الحقيقة تُعرف من خلال مزيج من الإيمان والعقل. وسيقلص غياب أحدهما قدرة الإنسان على التعرف إلى ذاته، وإلى العالم والله. [3] كما كتب أن العقل البشري يسعى وراء الحقيقة، لكن الحقيقة السامية عن معنى الحياة لا يمكن إيجادها من خلال العقل وحده. [4] فالسعي وراء المعرفة – البحث عن معنى الحياة – هو بحث عن الله بالدرجة الأولى. هذا البحث يلهمه الروح القدس الذي يستجيب لندائه. والباحث الصادق يتعلم من الآخرين، كما يتعلم الفيلسوف مثلاً من العالِم، مع أخذ وجهة النظر الخاصة بالاعتبار. في الواقع، يجب أن يميز هذا التعلم العلاقات بين الفيلسوف واللاهوتي.

يقوم جزء من رسالة المسؤولين أكاديمياً ورعوياً في عالم الطلاب على تعزيز التعاون بين مختلف المجالات وإنما أيضاً بين مختلف الثقافات. هكذا، تنمو إنسانية حقيقية. ويتبين أن البابا بندكتس السادس عشر يدرك جيداً هذه الحاجة عندما قال مؤخراً:

“أرغب في التشديد على أهمية تربية مفكرين شباب وإجراء تبادلات علمية وثقافية بين الجامعات بغية اقتراح وإحياء تنمية بشرية شاملة… في هذا السياق، عهدت إليكم أيها الشباب الأعزاء بالرسالة العامة “المحبة في الحقيقة” التي نذكر فيها بالحاجة الملحة إلى صوغ رؤية إنسانية جديدة” [5].

في سبيل وجود “المحبة في الحقيقة”، يطالب البابا بتنمية إنسانية شاملة، داعياً إلى إنسانية جديدة لا يسعها، شأنها شأن حوار مثمر بين العقل والإيمان، إلا أن تجعل عمل المحبة أكثر فعالية ضمن المجتمع”. [6] فقط في الحوار بين “لغة العلم ولغة الإيمان”، نبلغ الحقيقة. الحقيقة مستترة تنتظر من يكتشفها ليتمكن كل إنسان من التحلي بكامل قواه. وكما يذكرنا البابا يوحنا بولس الثاني، فإن “الحقيقة وكل الأمور الصادقة تشكل خيراً عظيماً يجب أن ننظر إليه بمحبة وفرح. العلم أيضاً هو سبيل لبلوغ الحقيقة؛ لأن هبة العقل التي يمنحنا إياها الله والتي وفقاً لطبيعتها ليست معدة للخطأ وإنما لحقيقة المعرفة، تنمو فيه” [7].

إن الخطر المتمثل في تقلص التربية إلى مجرد وظيفة، بدلاً من أن تكون جوهر البحث عن الحقيقة، هو قائم بخاصة لدى الطلاب الأجانب، عندما ترتبط عودتهم بإنتاجية اقتصادية وصناعية مستقبلية. إن الإنسانية الحقيقية التي تتخلل المتابعة الأكاديمية يجب أن تسمح بوجود الطلاب الأجانب – والطلاب من البلدان المضيفة – ليحملوا ثروة وتنوعاً يجب أن يميزا الجامعة مع تعزيز تربية تلامس الإنسان. إضافة إلى ذلك، في هذا البحث عن الحقائق المكتشفة وعيشها، تكون للحوار بين العلم والإيمان، تداعيات إيجابية على رسالة الكنيسة كما يذكرنا البابا بندكتس السادس عشر:

“الحوار بين الإيمان والعقل، الدين والعلم، لا يسمح فقط بإظهار عقلانية الإيمان بالله بفعالية وإقناع لشعوب زماننا، بل يظهر أيضاً أن تحقيق كل تطلع بشري فعلي يرتكز على يسوع المسيح. في هذا الصدد، لا يستطيع جهد تبشيري جدي أن يهمل المسائل الناشئة أيضاً عن الاكتشافات العلمية والفلسفية الحالية” [8].

بعد انقضاء السنة الأخيرة المكرسة للكهنة، أرغب أيضاً في التذكير بعمل تعزيز الدعوات مع الجماعات الجامعية. ويشكل انفتاح الأشخاص على بعضهم البعض وعلى الله جزءاً من عملية البحث لإيجاد الهدف الذي وضعه الله للإنسان في حياته. كما ينبغي على البحث عن الحقيقة أن يكون بحثاً عن حقيقة أنفسنا وعن دعوة الله. لذا يجب ألا يغيب تشجيع الجميع على اكتشاف المشيئة الإلهية، والدعوة إلى الكهنوت لمن ميزوا هذه المشيئة. إضافة إلى ذلك، يجب أن يكون سبباً بارزاً للتشاور والتأمل، حتى للطلاب الأجانب.

فيما تباشرون بمؤتمركم، كونوا متأكدين من صلواتي ودعمي لكم. أنا واثق بأن عملكم سيحمل ثماراً جمة وأن الرب سيبارككم بوفرة في هذا اللقاء من خلال صلوات مريم، كرسي ال
حكمة.    

الرئيس أنطونيو ماريا فيليو

أمين السر رئيس الأساقفة أغوستينو ماركيتو

من الفاتيكان، في الأول من يوليو 2010

***

ملاحظات

[1] المجمع الفاتيكاني الثاني، فرح ورجاء، رقم 31: http://www.vatican.va/archive/hist_councils/ii_vatican_council/documents/vat-ii_const_19651207_gaudium-et-spes_en.html

[2] البابا يوحنا بولس الثاني، العقل والإيمان، سبتمبر 1998: http://www.vatican.va/edocs/ENG0216/_INDEX.HTM

[3] المرجع عينه، رقم 16

[4] المرجع عينه، رقم 42

[5] البابا بندكتس السادس عشر، الكلمة بمناسبة أمسية الصلاة المريمية “مع إفريقيا ومن أجل إفريقيا”، السبت 10 أكتوبر 2009: http://www.vatican.va/holy_father/benedict_xvi/speeches/2009/october/documents/hf_ben-xvi_spe_20091010_rosario-africa_en.html

[6] الرسالة العامة “المحبة في الحقيقة”، يونيو 2009، رقم 57:  http://www.vatican.va/holy_father/benedict_xvi/encyclicals/documents/hf_ben-xvi_enc_20090629_caritas-in-veritate_en.html

[7] يوحنا بولس الثاني، العلم والإيمان في البحث عن الحقيقة، الكلمة إلى الأساتذة والطلاب الجامعيين في كاتدرائية كولونيا، 15 نوفمبر 1980: http://www.its.caltech.edu/~nmcenter/sci-cp/sci80111.html 

[8] البابا بندكتس السادس عشر، الكلمة إلى المشاركين في الجمعية العامة لمجمع عقيدة الإيمان، 10 فبراير 2006:

http://www.vatican.va/holy_father/benedict_xvi/speeches/2006/february/documents/hf_ben-xvi_spe_20060210_doctrine-faith_en.html

Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير