حاورته ماري إيلينا فينيسي
الرباط، الاثنين 4 أبريل 2011 (ZENIT.org). – تبنى الأساقفة الكاثوليك في شمال إفريقيا دعوة البابا إلى حل دبلوماسي في ليبيا، وشددوا على أن أي تدخل يجب أن “يأخذ بعين الاعتبار توق الشعوب إلى الحرية والمواطنية المسؤولة”.
في هذه المقابلة مع زينيت، يشرح المونسينيور فينسان لاندل، رئيس أساقفة الرباط ورئيس مجلس أساقفة شمال إفريقيا، الأسباب التي دعت إلى قيام الثورة في ليبيا ويتحدث عن تطلعات الشباب الذي يشكل عامل التحول الأكبر.
* * *
* * كثير من الخبراء يتحدثون عن ربيع في العالم العربي قد فاجئ الغرب. ما هو رأيكم؟
– أعتقد أن هذا “ربيع”، لأن هناك أمر جديد يولد ولو بشكل متلعثم كالولادة؛ ولكن أيضًا من خلال كل المصاعب التي عاشها أشخاص لم يتسن لهم أن يكونوا أحرارًا وأن يعبروا عن آرائهم. لقد بنى الغرب آراءه حول تلك البلاد، ولكنه لم يتوصل إلى إدراك حقيقة ما يعاش فيها. ولم يلحظ ظهور نفوس حية وواعية بدأت بتنظيم ذواتها. ربما ركز الغرب كثيرًا على البعد السياسي متناسيًا المصاعب الاجتماعية الناشئة. حتى ولو أن هناك بعدًا سياسيًا في ما يجري، إلا أن البعد الأهم هو اجتماعي، وهذا الأخير كان النقطة التي أدت إلى الفيضان. الأمر المؤثر هو أن المتظاهرين لم يريدوا أن يجتمعوا تحت راية هذا الحزب أو ذاك. أرادوا أن يكونوا واعين وذهبوا إلى العمق في مسيرة التطهير الاجتماعي والسياسي، ولم يقبلوا أن يتم شراءهم.
* * وراء هذه الثورة هناك الشعب، نعم، ولك ليس كل الشعب. فمعظمهم من الشباب، المتخرجين، العاطلين عن العمل، وفاقدي الضمانات.
– هذا صحيح، لا يشارك كل الشعب في الثورة، لأنه، كما في كل الدول، هناك من ينتفع من الدكتاتوريات القائمة ولا يريد أن تزول. ولكن ما يؤثر في هذه الثورة هو الدافع، دافع “الحرية الكرامة والعدالة”. فكل هذا الشعب الكبير المرغم على الخضوع أراد النهوض لكي يضحي شعبًا مسؤولاً.
والنهضة كانت بالطبع نهضة الشباب، المتخرجين، العاطلين عن العمل، وفاقدي الضمانات، ولكن أيضًا نهضة الطبقة الوسط التي لم تكن في السلطة، والتي كانت ترى أن المستقبل مسدود. فسيطرة الفساد كانت تخنق الكثير من الإرادة الصالحة. ألم تكن السلطة العمياء وراء ما فعله الشاب المتخرج عندما حرق نفسه!
وهذه النهضة قامت بشكل ما في موقف لاعنف، إلا عندما بدأت قوات الحكم القديم باستعمال القوة ضدهم. وعلى كل حال لم يقم الجيش إلا بتنظيم الوضع دون استخدام الأسلحة (إلا في الحالة الليبية). وفي ليبيا الوضع مختلف لأننا بصدد “شعب قبائل”، ولذا الصراع كان أيضًا نوع من صراع بين القبائل المختلفة، وبشكل خاص بين القبائل التي تملك السلطة والقبائل الأخرى. القبائل الغنية والقبائل الأخرى.
ولكن لا بد من إدراك أن وسائل الإعلام هي التي خلقت هذه العقلية الديمقراطية. فالناس كانت ترى الطريقة التي يُعاش فيها في أماكن أخرى. وكانت ترى كيف أن هناك حرية التعبير في أماكن أخرى، وأن اختلاف الآراء يمكن أن يكون غنىً. وبهذا الشكل نشأ الحس النقدي ولم يعد يقبل بسلطة مفروضة فرضًا دون مشاركة.
إن حكمًا مثل ذلك القائم في المغرب عرف أن يأخذ زمام الأمور من خلال خطاب الملك محمد الرابع في 9 مارس. لم تتحول الأمور بين ليلة وضحاها، ولكن هناك سلسلة من الإصلاحات الجارية. الخطر هو، هنا وفي أماكن أخرى، أن يراد كل شيء فورًا. من الأهمية بمكان أن يُعطى الوقت الكافي للتحولات.
* * في ما يتعلق بالعلاقات بين المسيحيين والمسلمين. هل تعتقدون أن أبناء الدينين يسيرون سوية نحو الديمقراطية وإصلاح الظلم الاجتماعي؟
– بحسب معرفتي الصغيرة بشأن الشرق الأوسط، أعتقد أن الثورات لم تقم أبدًا انطلاقًا من مبادئ دينية. حتى في مصر، لقد رأينا الشباب المسيحي والمسلم جنبًا لجنب يجمعهم فخر وطنيتهم المصرية.
في كثير من الدول الغربية هناك خوف من وصول الأحزاب الدينية المتطرفة إلى الحكم. ولكني أعتقد أن الشباب لا يريدون أن تُسلب ثورتهم منهم. في كل بلاد الشرق الأوسط، المسيحي هو مواطن، وله نفس الحقوق والواجبات التي يتمتع بها المسلم. أما في بلاد المغرب، فالمسيحيون بمعظمهم هم من الأجانب، ولا يستطيعون أن يكونوا مواطنين بشكل عام. في بلاد المغرب، المسيحيون يشاركون في إنماء الوطن، ولكن لا صوت لهم في مسيرة الديمقراطية التي يريدونها لمواطنيهم، دون أن يكون لهم سلطة أو مشاركة فيها.
حتى ولو أن الكلمة تستعمل في ضفتي المتوسط الشمالية والجنوبية، إلا أنه لا يجب الكلام عن “حملات صليبية”. نعرف أن العربي يظن أن كل غربي مسيحي، وأن الغربي يظن أن كل عربي مسلم. يجب أن نتخطى هذه النظرات المغلوطة، وألا نجعل مما يجري “حرب أديان”.
* * هذه الأزمات تؤدي إلى نزوح الشعوب. في ظروف الأسابيع الأخيرة وصل إلى سواحل إيطاليا ما يقارب 10 آلاف نازح. ما هي سياسة النزوح التي تقترحها لحل هذه الأزمة؟
– إن الكثير من الفقراء من أريتريا، أثيوبيا، ودول الصحارى يتواجدون في ليبيا لا لأجل ليبيا، بل لأجل استعمال الأراضي الليبية للوصول إلى أوروبا. وكثيرون منهم يدورون في الطرقات سعيًا لإيجاد أحد يساعدهم للوصول إلى إيطاليا. والأمر كذلك في مصر وتونس، حيث استقبل الكثيرون المراكب للوصول إلى السواحل الإيطالية. صحيح أن الكثيرين يصلون إلى شواطئ أوروبا، ولكن هل يسعنا أن نؤنب هؤلاء الأشخاص لأنهم يسعون إلى عيش كريم وآمن؟
إنها مأساة كبيرة ولا ي
مكن وقفها إلا إذا تم وضع نوع من عدالة شاملة على صعيد دولي. لن يتوقف توافد الناس إلى أوروبا ما لم يتم تقاسم المال بشكل عادل بين الشعوب. في مطلع القرن الماضي، وصل الإيطاليون إلى فرنسا للأسباب عينها، الفرق الوحيد أنهم كانوا مسيحيين. يجب أن نبدل عقليتنا. عندما أشاهد التلفزيون الغربي أرى الكثيرة من المظاهرات حول المعاشات، المدارس، أوضاع العمل، ولكن لو قضى هؤلاء الأشخاص شهرًا واحدًا في إفريقيا لبدلوا عقليتهم.
ما لم نقبل بتقاسم غنى العالم لن تهدأ مشكلة الهجرة! وإذا كنا مسيحيين حقًا، فيجب أن نتقاسم الخيرات وليس فقط الفائض.
المشكلة في ظاهرة الهجرة الحالية هي أن معظم المهاجرين هم من المسلمين، وفي نظر الكثيرين المسلم مرادف للإرهابي والمتطرف، ولذلك هناك نوع من خوف، وكيف يمكن استقبال من نخاف منه. كمسيحيين يعيشون في أراضي الإسلام، نحن نستطيع أن نقول لكم أننا نعيش بسلام، ونقوم بلقاءات غنية.
* * *
نقله إلى العربية روبير شعيب