روما، 5 أبريل 2007 (ZENIT.org). – بتغير المشهد العراقي، وبسيره نحو غوغائية وهمجية لا رادع لها، يعيش المسيحيون حالة صعبة يجب عليهم أن يجيبوا عليها لكي يستمروا في تعايشهم مع سائر عناصر المجتمع العراقي من جهة، ولكي يثبتوا على إيمانهم بالرغم من الصعوبات تدعو إلى التخلي عن الرجاء وإلى الاستسلام إلى اليأس عدو الإيمان والمحبة.
في هذا القسم الثاني من المقابلة الصحفية مع زينيت يتطرق رئيس أساقفة بغداد للاتين جان بنيامين سليمان، إلى موضوع الوجود والشهادة النبوية المسيحية في عراق اليوم من أجل عراق الغد.
* * *
تم بناء سبع كنائس إنجيلية في بغداد في السنتين الأخيرتين. بوصول الأمريكيين، وصل إلى العراق الواعظون المصلحون، فدخلوا بيئة يتعايش فيها المسيحيون والمسلمون مع اتفاق ضمني يمنع محاولات السعي لرد الآخرين من ديانة إلى أخرى. ما هو تأثير هؤلاء الوعاظ على حالة المسيحيين في العراق؟
رئيس الأساقفة سليمان: يجب القول أن ظاهرة الوعاظ هي ظاهرة عالمية. وقد وصلوا إلى العراق غداة سقوط حكم صدام. موضوعهم هو الحرية الدينية؛ ولكني أعتقد أنهم لا يحترمون الكنائس العريقة الموجودة هناك. وبسعيهم إلى تبشير المسلمين، يولدون الكثير من الشكوك.
فتصرفهم لا يحترم العقلية العراقية. هناك تشابه كبير بين المسيحيين والمسلمين في العراق، ومن غير الممكن أن يأتي أحد ما، بعقلية إمبريالية، ليغرس المسيحية. هذا الموقف يسيء كثيرًا إلى مسيحية العراق.
إن مسيحيي العراق هم بغالبيتهم رسوليين من القرن الأول، باستثناء اللاتين والبروتستانت والأرمن الذين حازوا على أهمية إثر الحرب العالمية الأولى.
والمسيحيون في العراق ليسوا جرثومة في الجسد، بل هم الجسد نفسه، تحيط به أمور أخرى. يكفي أن نذكر مساهمة المسيحيين في بناء الحضارة في أيام الخلفاء: فأعظم الأطباء كانوا حينها من النصارى واليهود. كذلك ترجمة كبار الفلاسفة الإغريق قد تمت على المسيحيين. تاريخيًا، نرى أن الفلسفة قامت بمسيرتها من اليونان، إلى العرب فالأوروبيين على يد الرهبان السريان الذين قاموا بالترجمات. ولذا فمسيحيو العراق ليسوا مستوطنين، بل هم سكان العراق الأقدمين.
نالت مؤخرًا المجلة الشهرية “الفكر المسيحي” الميدالية الذهبية 2007 من قبل الاتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة. ما معنى هذه الجائزة بالنسبة للمجلة وبالنسبة للعراقيين؟
رئيس الأساقفة سليمان: قام بتأسيس مجلة الفكر المسيحي في العراق عام 1964، كهنة يسوع الملك (الأربعة!)، وتم تسليمها من ثم إلى الآباء الدومينيكان. وهي مجلة مسيحية لها وقعها، والعاملون فيها يتحلون بشجاعة كبيرة.
أعتقد أن هذا هو السبب الرئيسي وراء الجائزة التي نالتها المجلة: لقد أراد الإتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة أن يكافئ مقاومة وإرادة المسيحيين العراقيين الذين اختاروا الصمود.
ما هي الرسالة التي تودون إيصالها كرئيس أساقفة لأطراف الأزمة العراقية للخروج من “الفخ”؟
رئيس الأساقفة سليمان: إن تمني الأكبر هو أن يتم التوصل لحل ناجع لهذه المأساة البشرية. يجب أن نعي أن الأزمة العراقية لم تعد عراقية وحسب، لقد أصبحت أزمة شرق أوسطية؛ إذا لم يتم التوصل إلى حل، من الممكن أن تتفجر وتضحي حريقًا تصل ألسنة لهيبه إلى المتوسط، لا بل ربما إلى شمال إفريقيا.
يجب على الأمريكيين أن يقبلوا مساهمة الدول المحاذية، فهذه أيضًا لها مصالحها ومخاوفها.
أؤمن أن لا أحد يستطيع أن يبني السلام منفردًا، الاتفاق بين الدول أمر ضروري. يجب أن نبني السلام في العراق لكي نحميه في أماكن أخرى. فإذا نشبت حرب بين السنة والشيعة في العراق، تمتد نيران الفتنة بسرعة إلى البلدان المجاورة.
أمريكا حاليًا تسعى إلى درء الصدام بين الطوائف المختلفة، ولكنها تستطيع أن تقوم بأكثر من ذلك بكثير إذا ما عززت المصالحة التي تريدها الحكومة الحالية.
من الضرورة بمكان تشجيع الحوار السياسي. فقائد القوات الأمريكية دايفيد بترووس نفسه صرح بأن الحل لهذه الأزمة لا يمكن أن يكون حلاً عسكريًا. يجب إعادة الأمن، ولكي يستتب الأمن من الضروري الجلوس سوية لأخذ مقررات سياسية مشتركة.
لقد كتبتم في الماضي كتابًا عن القديسة الكرملية، أديت شتاين، بعنوان: “أديت شتاين: شاهدة لليوم، نبية للغد”. هل تستطيع الروحانية المسيحية أن تعطي جوابًا للألم؟ وكيف يستطيع المسيحي أن يكون نبيًا من أجل عراق الغد؟
رئيس الأساقفة سليمان: لا يمكننا أبدًا أن نقاوم الشر إلا عبر الخبرة الروحية. يرى الكثيرون في أديت شتاين صورة الشهيدة، ولكن هذه القديسة ليست فقط شهيدة أوشفيتز. أديت شتاين هي امرأة تحمل الرجاء، وقد عاشت المسيحية بطريقة نبوية.
إن النبي، بحسب المفهوم البيبلي والمسيحي، هو مرآة الله؛ ليس النبي شخصًا يعرف بالضرورة ما سيحدث. إنه شخص يعي كلمة الله ويفهمها ويعيشها كاشفًا عن غور غناها.
يجب أن نكتشف أديث شتاين كمعلمة حياة روحية وحياة رجاء.
كشهيدة، تشهد لنا بأن الرب يسوع هو أكبر من كل شر، وتفهمنا بأن الشر ليس الكلمة الأخيرة. جميعنا نتشكك أمام قدرة الشر الرهيبة، وأمام سلطان الأشرار، ولكن من يتعمق في التفكير يكتشف أن الشر ما هو إلا لاوجود؛ الشر موجود لأن الخير لم يقم بما ك
ان عليه.
في عظاتي أسعى لكي أساعد الناس على عيش الرجاء، الذي هو عطية من الله. الرجاء يقول لنا بأنه بالرغم من كل ما نعاني، الكلمة الأخيرة ليست للشر.
أما صلاتي فهي غاية في البساطة: “ليأت ملكوتك”، وعندما أتلفظ بهذه الصلاة يمر ببالي الأشخاص الذين يقتلون باسم الله، وباسم الله يقومون بالتطهير العرقي. لأجلهم أصلي لكي يعتلن لهم وفيهم ملكوت الله، ملكوت السلام والمغفرة والحب.