روما،الإثنين 2 نيسان 2012 ( ZENIT.org)- ننشر في ما يلي عظة البابا بندكتس السادس عشر بمناسبة الاحتفال بعيد الشعانين، المناسب أيضًا يوم الشبيبة العالمي الذي تم الاحتفال به في هذا العام على صعيد أبرشي، وذلك في ساحة القديس بطرس في الفاتيكان، نهار الأحد 1 أبريل.
***
إخوتي وأخواتي،
أحد الشعانين هو المدخل الكبير لأسبوع الآلام الذي سيتمم فيه الرب رسالته على هذه الأرض. صعد إلى أورشليم ليتمم النبوءات حيث سيعلق على خشبة الصليب، هذا العرش الذي منه سيحكم الى الأبد جاذبًا الخليقة كلها نحوه ليفتديها. نعلم من خلال الأناجيل أن يسوع توجه الى أورشليم مع الإثني عشر وانضم إليهم في الطريق حشد كبير من المؤمنين كما يذكر القديس مرقس في الآية ( 46،10 ( “منذ خروج يسوع من أريحا كان معه تلاميذه وجمهور كبير”.
يصادفنا في آخر الطريق حدث مميز يسلط الضوء على يسوع ويجعلنا متلهفين لأن نعرف ماذا سيحل ببرتيماوس وهو شحاذ أعمى جالس على جانب الطريق عند مخرج أريحا. فلما سمع بأن الذي يمر من هناك هو يسوع الناصري أخذ يصيح: ” يا يسوع يا ابن داود، ارحمني!” ( مرقس 10، 47). فانتهره الكثير من الناس ليسكت، ولكن عبثًا فعلوا، إلى أن ناداه يسوع وقال له: ” ماذا تريد أن أعمل لك؟”، قال: ” يا معلم أن أبصر! (من جديد).” (الآية 51) فأجابه يسوع: ” إذهب إيمانك شفاك.” فأبصر في الحال وتبع يسوع. (راجع الآية 52).
بعد أن ناداه الأعمى ” يا ابن داود” واستجاب له يسوع بهذا الفعل العجائبي، لمع وميض أمل مسيحي بين الجموع، مما جعل الكثيرين يتساءلون: هل يسوع الذي كان يتقدمهم إلى أورشليم هو حقًا المسيح؟ داود الجديد؟ ومع دخوله الوشيك إلى المدينة المقدسة هل سيعيد الله بناء عرش داود؟
إن تهيئة يسوع مع تلاميذه لدخوله أورشليم تساهم أيضا في تنمية هذا الأمل. كما سمعنا في إنجيل اليوم (راجع مرقس 11 ، 1- 10)، مرّ يسوع ببيت فاجي وجبل الزيتون ليصل إلى أورشليم وهو الطريق الذي كان من المفترض أن يسلكه المسيح. من هناك أرسل تلميذين وطلب منهما أن يجلبا له جحشًا سيجدانه على جانب الطريق، وفعلا وجدا الجحش فحلا رباطه وأتيا به. عندئذ غمر الحماس نفوس التلاميذ والحجاج الآخرون: منهم من خلع ثوبه ووضعه على الجحش وآخرون بسطوا ثيابهم على الطريق أمام يسوع. قطع آخرون أيضًا أغصانًا وبدأوا يهتفون بكلمات المزمور 118 وهي كلمات كانت تستخدم لمباركة الحجاج فتحولت هنا الى هتاف مسيحي: ” المجد لله! تبارك الآتي باسم الرب. تباركت المملكة الآتية، مملكة أبينا داود. المجد لله في العلى!” ( الآية 9، 10).
هذا التهليل الذي ذكره الإنجيليون الأربعة هو صرخة تبريك ونشيد فرح: يعبر عن قناعة مشتركة بأنه من خلال يسوع زار الله شعبه والمسيح المنتظر قد وصل أخيرا. كلهم تجمعوا هناك بانتظار ما سيحققه المسيح لحظة دخوله مدينته.
ولكن ما هو المضمون والصدى العميق لهذه الصرخة؟ نجد الجواب في كل الكِتابات المقدسة التي تذكرنا بأن المسيح يتمم وعد الله هذا الوعد الذي قطعه الله على إبراهيم أب كل المؤمنين: ” فأجعلك أمة عظيمة، وأباركك(…) وتتبارك فيك جميع قبائل الأرض” (سفر التكوين 12، 2- 3). هذا هو الوعد الذي حفظته إسرائيل في الصلاة لا سيما في المزامير. لذلك هذا الذي نادته الشعوب بالمبارك، هو في الوقت عينه من سيبارك الخليقة كلها، فعلى ضوء الإيمان بالمسيح، ستكون الخليقة موحدة أكثر يلفها ثوب البركة الإلهية، هذه البركة التي تغمر كل شيء، وتحافظ على كل شيء، وتفتدي البشر، وتقدسهم.
يمكننا أن نستقصي من احتفال اليوم رسالة عظيمة وهي: دعوة لأن يكون لنا نظرة عادلة تجاه البشرية، وتجاه الناس الموجودين في العالم أجمع، وتجاه الثقافات والحضارات المختلفة. نظرة المسيح للمؤمن هي نظرة بركة: نظرة حكيمة ومُحبة يمكنها أن تفهم جمال العالم وتشفق على ضعفه. تعكس هذه النظرة نظرة الله للإنسان الذي خلقه ويحبه. نقرأ في سفر الحكمة: ” لكنك ترحم جميع الناس لأنك على كل شيء قدير وتتغاضى عن خطايا الناس لكي يتوبوا. فإنك تحب جميع الكائنات ولا تمقت شيئا مما صنعت. إنك تشفق على كل شيء لأن كل شيء لك أيها السيد المحب للحياة” (الحكمة 11 ،23- 24-26).
بالعودة إلى إنجيل اليوم فلنسأل أنفسنا: ماذا يوجد في قلب كل واحد يهتف للمسيح كملك لاسرائيل؟ كان لديهم فكرة عن المسيح، فكرة تضم كيفية تصرف الملك الذي وعدهم به الأنبياء والذي لطالما انتظروه. ليس من قبيل الصدفة، بعد بضعة أيام، وبدل أن يهتف الجمع الحاضر ليسوع صرخوا لبيلاطس: ” أصلبه!”، حتى التلاميذ أنفسهم ومعهم أولئك الذين رأوه وسمعوه بقوا صامتين وضائعين. في الواقع، أصيبت الأغلبية بخيبة أمل إزاء الطريقة التي أظهر يسوع فيها نفسه كمسيح وملك إسرائيل. هذا هو محور المناسبة التي نحتفل بها اليوم. من هو يسوع الناصري بالنسبة لنا؟ ما الفكرة التي نحملها عن المسيح، وعن الله؟ هذا هو السؤال الحاسم الذي لا يمكننا تجنبه، نظرًا لأننا مدعوون خلال هذا الأسبوع لاتباع ملكنا الذي اختار الصليب عرشًا له، نحن مدعوون لاتباع المسيح الذي لم يعدنا بسعادة دنيوية سهلة بل بسعادة سماوية وهي النعيم.
إذا علينا أن نتساءل: ما هي حاجاتنا الحقيقية؟ ما هي أعمق رغباتنا التي حملناها اليوم لنحتفل بأحد الشعانين ولنبدأ بأسبوع الآلام؟
أيها الشباب، أنتم الحاضرون هنا! هذا اليوم مخصص لكم في كل العالم أينما وُجدت الكنيسة. لذلك أنا أُحَييكم بعاطفة جمّة! فليكن أحد الشعانين بالنسبة لكم يوم القرار، قرار قبول الرب وإتباعه حتى النهاية، قرار جعل فصح موته وقي
امته معنى حياتكم المسيحية، فهذا هو القرار الذي يقود للفرح الحقيقي، وهذا ما أردت أن أذكره في شعار رسالتي للشبيبة اليوم: ” إفرحوا دائما في الرب” ( فيليبي 4،4). إن القديسة كلارا، ومنذ ثمانمائة عام، على مثال القديس فرنسيس ورفاقه الأوائل، تركت بيتها الوالدي يوم أحد الشعانين بالذات، لكي تكرس حياتها بكليتها للرب: كانت في الثامنة عشرة من عمرها، وتحلت بشجاعة الإيمان والحب، وشجاعة تسليم الذات للمسيح فوجدت فيه الفرح والسلام.
إخوتي وأخواتي الأعزاء، يجب أن يرافقنا شعوران في هذه الأيام بالذات: أولا، التسبيح كالذين استقبلوا يسوع في أورشليم بالهوشعنا، وثانيًا، فعل الشكر لأنه خلال أسبوع الآلام سيقدم لنا يسوع العطية الكبرى: سيعطينا حياته، أي جسده ودمه عربون حبه لنا. أمام هدية كهذه، علينا أن نبادر بالمثل فنقدم له ذاتنا، ووقتنا، وصلاتنا، وحياتنا بشركة حب عميق مع المسيح الذي يعاني العذاب ويموت ثم يقوم من الموت من أجلي. رأى آباء الكنيسة رمزًا لهذا كله في ما قام به أولئك الذين تبعوا يسوع إلى أورشليم فمدوا أثوابهم على الطريق أمام الرب، لذلك قالوا أنه أمام المسيح علينا أن نطرح حياتنا وشخصنا بامتنان وتعبّد. في الختام، فلنسمع مرة أخرى كلام أحد هؤلاء الآباء، وهو القديس أندريه، أسقف كريت: “فلنطرح نفسنا بتواضع أمام الرب، بدل أن نطرح الثياب أو الأغصان الهامدة والفروع الخضراء التي تمتع النظر للحظة فقط وبعدها تفقد خضرتها. فلنطرح أنفسنا أمامه مغمورين بالنعمة أو حتى محاطين بكليّته…دعونا ننحني عند قدميه كالأثواب الممدودة…لنكن أهلًا لأن نقدم إلى غالب الموت ليس أغصانًا من النخيل فحسب، بل غنائم النصر. فلنلوّح مع الأطفال بأغصان جسدنا الروحية ولنرفع التسبيح في كل يوم قائلين: ” مبارك الآتي باسم الرب، ملك إسرائيل.” آمين.
***
نقلته من الفرنسية إلى العربية نانسي لحود – وكالة زينيت العالمية
جميع الحقوق محفوظة لدار النشر الفاتيكانية