من الإرشاد الرسولي "سر المحبة" لقداسة الحبر الأعظم بندكتس السادس عشر

الفاتيكان، 22 مارس 2007 (ZENIT.org). – ننشر في ما يلي الأعداد 9، 10 و 11 من القسم الاول من الإرشاد الرسولي “سر المحبة” لقداسة الحبر الأعظم  البابا بندكتس السادس عشر حول موضوع الافخارستيا مصدر وغاية حياة الكنيسة ورسالتها.

Share this Entry

القسم الأول

الافخارستيا، سر يتطلب الإيمان

“هذا هو عمل الله: أن تؤمنوا بمن أرسل” (يو 6، 29)

الافخارستيا: يسوع، الحمل المذبوح الحق

العهد الجديد والأبدي بدم الحمل

9. إن الرسالة التي جاء يسوع ليقوم بها في ما بيننا تكتمل في سر الفصح. فمن أعلى الصليب، حيث يجذب يسوع إليه الجميع إلى نفسه (راجع يو 12، 32)، قبل أن “يسلم الروح”، يقول: “لقد تم كل شيء” (يو 19، 30).

في سر طاعته حتى الموت، موت الصليب (راجع فيل 2، 8)، تم العهد الجديد والأبدي. التقت حرية الله وحرية الإنسان بشكل نهائي في الجسد المصلوب عبر عهد لا يمكن حله، قائم إلى الأبد. وحتى خطيئة الإنسان، كفّر عنها ابن الله مرة واحدة (راجع عبر 7، 27؛ 1 يو 2، 2؛ 4، 10). وكما سبق وتسنى لي أن أقول، “في الموت على الصليب يتحقق المنعطف الذي يذهب به الله ضد نفسه وبه يهب نفسه لكي يرفع الإنسان ويخلصه – هذا هو الحب في شكله الأكثر جذرية”.

لقد نلنا في السر الفصحي الحرية من الشر ومن الموت. في تأسيس الافخارستيا، تحدث يسوع عن العهد “الجديد والأبدي”، الذي أقامه بدمه المسفوك (راجع متى 16، 18؛ مر 14، 24؛ لو 22، 20). إن هذا الهدف النهائي لمهمته كان باديًا منذ مطلع حياته العلنية. فعلى ضفاف الأردن، عندما رأى يوحنا يسوع آتيًا نحوه هتف: “هوذا حمل الله الذي يحمل خطيئة العالم” (يو 1، 29). من الاهمية بمكان أن نلاحظ أن هذه العبارة نفسها تستعمل كل مرة نحتفل بالقداس، عندما يدعو الكاهن المؤمنين للتقرب من المذبح: “طوبى للمدعوين إلى وليمة الحمل، هوذا حمل الله الذي يحمل خطيئة العالم”. يسوع هو الحمل الفصحي الحق الذي بذل نفسه طوعًا ذبيحةًَ لأجلنا، محققًا بذلك العهد الجديد والأبدي.

 

تأسيس الافخارستيا

10. نصل بهذا الشكل إلى التفكير حول تأسيس الافخارستيا في العشاء الأخير. يأتي هذا العمل في إطار عشاء طقسي هو تذكار الحدث التأسيسي لشعب إسرائيل: التحرير من عبودية مصر.

كان هذا العشاء الطقسي، المرتبط بذبح الحملان (راجع خر 12، 1- 28. 45- 51)، ذكرًا للماضي، وفي الوقت عينه كان ذكرًا نبويًا، أي تبشيرًا بتحرير مستقبلي. فقد اختبر الشعب أن ذلك التحرير لم يكن نهائيًا، فغالبًا ما اصطبغ تاريخه بالعبودية والخطيئة. وهكذا كان تذكار التحرير القديم ينفتح على التساؤل وعلى انتظار خلاص أكثر عمقًا وأكثر جذرية وشمولية، إلى خلاص حاسم.

في هذا المناخ، يقدم يسوع جدة عطيته. في صلاة التسبيح (البركة)، يشكر يسوع الآب ليس لأجل أحداث التاريخ الماضي وحسب، بل أيضًا لأجل “تمجيده”. ومن خلال تأسيس الافخارستيا، يستبق يسوع تضحية الصليب وانتصار القيامة ويلمح إليهما. وفي الوقت عينه، يبين عن أنه الحمل المذبوح الحقيقي، الذي اصطفاه مشروع الآب من قبل إنشاء العالم، كما تقول رسالة بطرس الاولى (راجع 1، 18- 20). ومن خلال وضع هبته في هذا السياق، يُظهر يسوع المعنى الخلاصي لموته وقيامته، السر الذي يصبح حقيقة تجدد التاريخ والكون بأسره. يبين تأسيس الافخارستيا كيف أن تلك الميتة، العنيفة والتي لا معنى لها بحد ذاتها، قد أصبحت في يسوع عمل الحب الأسمى والتحرير النهائي للبشرية من الشر.

 

الرمز يترك المكان للحقيقة

11. بهذا الشكل يدخل يسوع الجدة  الجذرية في عشاء الذبيحة اليهودية القديم. لسنا مضطرين كمسيحيين أن نعاود القيام بهذا العشاء. فالآباء يقولون بحق: الرمز يترك المكان للحقيقة: فالرمز الذي كان يعلن الحقيقة المستقبلة، افسح المجال الآن لهذه الحقيقة. لقد اكتمل الطقس القديم وتم تخطيه بشكل نهائي عبر عطية حب ابن الله المتجسد. فخبز الحقيقة، يسوع المذبوح لأجلنا، حمل الرموز إلى كمالها.

بـ “افعلوا هذا لذكري” (لو 22، 19؛ 1 قور 11، 25)، يطلب منا يسوع أن نطابق عطيته وان نجعلها حاضرة بشكل سري. بهذه الكلمات، يعبر الرب عن ترقبه، إذا جاز التعبير، بأن تتقبل كنيسته، التي ولدت من ذبيحته، هذه العطية، وأن تُطور بهدي الروح القدس الهيكلية الليتورجية للسر.

فتذكار العطية الكاملة لا يقتصر على تكرار العشاء الأخير، بل هو الافخارستيا نفسها، أي هو جدة العبادة المسيحية الجذرية. لقد ترك لنا يسوع مسؤولية الدخول في “ساعته”: “تجذبنا الافخارستيا إلى صلب تضحية يسوع. فنحن لا نتقبل الكلمة (لوغوس) المتجسد بشكل إستاتي، بل ندخل في دينامية عطيته” (21). فهو “يجتذبنا إلى داخله” (22).

يدخل التحول الجوهري للخبز والخمر إلى جسده ودمه تغييرًا جذريًا في مبدأ الخلق، وكأنه – إذا ما أردنا استعمال تشبيهًا نعرفه جيدًا في أيامنا – “انشطار نووي” في أعمق أعماق الكائن، تحوّل يهدف إلى تحريك عملية تبدّل في الواقع، غايته الأخيرة هي تجلي العالم بأسره، وصولاً إلى تلك الحالة حيث يصبح الله كلاً في الكل (راجع 1 قور 15، 28).

Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير