أيها الإخوة والاخوات!

يسعدني كثيراً ان التقيكم اليوم في ساحة القديس بطرس، بمناسبة الذكرى الخامسة والعشرين على الاعتراف الحبري بأخوية شركة وتحرير. أتوجه بتحية قلبية الى كل واحد منكم، وبنوع خاص الى الأساقفة والكهنة والمسؤولين الحاضرين. تحية حارة الى الأب جوليان كارّون، رئيس الأخوية، الذي اشكره على الكلمات الجميلة والعميقة التي وجهها اليّ باسمكم.

لا يسعني إلا أن أذكر أوّلاً مؤسس الأخوية، المونسنيور لوجي جوساني، الذي تربطني به ذكريات كثيرة وقد كان لي صديقاً حقيقياً. كان لقائي الأخير به، كما ذكر الأب كارّون، في كاتدرائية ميلانو، في فبراير منذ عامين، عندما أرسلني سلفي الحبيب يوحنا بولس الثاني لأرأس جنازته. من خلاله، أطلق الروح القدس في الكنيسة، هذه الحركة التي تشهد لجمال المسيحية في عالم بدأ فيه البعض يروّجون لفكرة أن المسيحية عبء يصعب تحمّله.

سعى الأب جوساني حينها الى إضرام محبة الشباب للمسيح "الطريق والحق والحياة"، مردداً بأن المسيح وحده هو الطريق المؤدي الى تحقيق رغبات قلب الإنسان العميقة، وبأن المسيح لا يخلصنا خارجاً عن إنسانيتنا وإنما من خلالها. وكما ذكرت في عظتي يوم جنازته، كان هذا الكاهن الشجاع، الذي عاش في منزل فقير للخبز وغني بالموسيقى – كما كان يقول هو نفسه – منذ البدء مولعاً بالجمال، ولكن ليس بأي جمال.

كان يبحث عن الجمال ذاته، الجمال اللامتناهي الذي وجده في المسيح. ولا بدّ أن نذكر اللقاءات الكثيرة بين الأب جوساني وسلفي الموقر يوحنا بولس الثاني. فقد أراد البابا مرة أخرى ان يذكّر بأن عمل أخوية شركة وتحرير يكمن في إعادة تقديم الحدث المسيحي-  مصدر القيم الجديدة القادر على تغيير مجرى الوجود كله - بانسجام مع الثقافة المعاصرة.

إن الحدث الذي غير حياة المؤسس، طال أيضاً حياة الكثيرين من أبنائه الروحيين، وأعطى الحياة لخبرات دينية وكنسية عديدة، باتت جزءاً أساسياً من عائلتكم الروحية الموسّعة. إن شركة وتحرير هي خبرة إيمان جماعي، أبصرت النور في الكنيسة، ليس بإرادة الهرمية المنظمة، وإنما نابعة من لقاء يتجدد مع المسيح، بحيث يمكننا القول بأنها تنبع من عمل الروح القدس.

ولا تزال اليوم تظهر كإمكانية عيش للإيمان المسيحي بعمق وفي الحياة اليومية، من خلال الأمانة والشركة مع خلف بطرس ورعاة الكنيسة من جهة، ومن خلال عفوية وحرية تساعدان على ممارسة نشاطات راعوية وإرسالية جديدة ونبوية من جهة اخرى.

وهكذا أيها الاصدقاء تنضم حركتكم الى باقة الجمعيات، الحركات والمؤسسات الكنسية التي نشأت في الكنيسة بفعل الروح القدس بعد المجمع الفاتيكاني الثاني. وتصب كل هبة من الروح القدس في خدمة بناء جسد المسيح، من خلال الشهادة لمحبة الله العظمى لحياة كل إنسان.

إن واقع الحركات الكنسية، هو علامة عمل روح الرب، لكيما يظهر في العالم انتصار المسيح القائم، ولتكتمل الرسالة الموكلة الى الكنيسة جمعاء. في كلمته في المؤتمر العالمي للحركات الكنسية، في 27 مايو 1998، ذكّر خادم الله يوحنا بولس الثاني بأنه، في الكنيسة، لا يوجد اي تباين وتناقض بين البعد المؤسساتي والبعد الكاريزماتي الذي يتمثّل في الحركات الكنسية، لأن البعدين اساسيان لكنيسة شعب الله.

حتى المؤسسات الرئيسية في الكنيسة لها طابعها الكاريزماتي، فعلى المواهب أن تختلط لتخلق انسجاماً واستمرارية. وهكذا فالبعدان المنبثقان من الروح القدس لتكوين جسد المسيح الواحد، ينصهران لإظهار سر وعمل المسيح الخلاصي في العالم. وهذا يفسّر الانتباه الذي به ينظر البابا ورعاة الكنيسة الى غنى الحركات الكنسية في عالمنا المعاصر.

خلال اللقاء مع إكليروس وكهنة رعايا روما منذ فترة وجيزة، ردّدت على مسامعهم دعوة القديس بولس في رسالته الاولى الى أهل تسالونيقيا الى عدم إطفاء مواهب الروح، وقلت بأنه إذا ما أعطانا الروح مواهب جديدة، علينا ان نكون شاكرين له، حتى وإن كانت هذه المواهب ثقيلة الحمل في بعض الأحيان. وفي الوقت عينه، ولأن الكنيسة واحدة، فإذا كانت الحركات هي فعلاً هبة من الروح القدس، فعليها أن تندمج طبيعياً في الجماعة الكنسية وأن تخدمها، لكيما من خلال الحوار الصبور مع الرعاة، تصبح هذه الحركات عناصر بناءة في كنيسة اليوم وكنيسة الغد.

أيها الإخوة والأخوات، في إحدى لقاءاته بكم، إستودعكم سعيد الذكر البابا يوحنا بولس الثاني هذه الكلمات: " اذهبوا في العالم كله واحملوا الحقيقة، الجمال والسلام الذين يلتقون في المسيح المخلص". وقد جعل الأب جوساني من هذه الكلمات دستوراً للحركة، وأطلق شركة وتحرير في رسالتها التي أوصلتها الى ثمانين بلداً.

اليوم، أنا أدعوكم الى متابعة السير على هذا الطريق، بإيمان عميق متجذّر في الكنيسة، جسد المسيح الحي، التي تشهد على حضور يسوع الدائم معنا. نختتم لقاءنا هذا موجهين أنظارنا نحو العذراء لتلاوة صلاة التبشير الملائكي. فقد كان الاب جوساني يخصها بعبادة كبيرة.

 فلتصحبكم العذراء القديسة، وتساعدكم على إعلان الـ "نعم" لإرادة الله في كل آن. كونوا أكيدين أيها الأصدقاء الأعزاء، من مرافقتي الدائمة لكم في الصلاة، وأمنحكم أنتم الحاضرين هنا وعائلتكم الروحية جمعاء البركة الرسولية.

ترجمة وكالة زينيت العالمية (zenit.org)

حقوق الطبع 2006- مكتبة النشر الفاتيكانية