الفاتيكان 23 مارس 2007 (ZENIT.org). – ننشر في ما يلي الكلمة التي ألقاها البابا بندكتس السادس عشر لدى لقائه يوم الخميس المشاركين في الجمعية العامة للمجلس الحبري لراعوية الصحة
السيد الكاردينال
إخوتي الأجلاء في الأسقفية والكهنوت،
أيها الإخوة والأخوات!
يسعدني أن التقي بكم بمناسبة انعقاد الجمعية العامة للمجلس الحبري لراعوية الصحة. أتوجه بتحية خاصة الى كلّ واحد منكم، وقد قدمتم من مختلف أنحاء العالم، علامة على جهود الكنائس الخاصة، معاهد الحياة المكرسة وعلى أعمال الجماعة المسيحية العديدة في قطاع الصحة.
أشكر نيافة الكردينال خافيير لوزانو بارّغان، رئيس المجلس، لكلماته اللطيفة ولإطلاعي على الأهداف التي تسعون حالياً لتحقيقها.
لقاؤكم هذا ليس للتعمق في موضوع محدّد، وإنما لتقييم البرنامج الموضع سابقاً ولتحديد الأهداف المستقبلية. يسعدني خلال لقائي هذا بكم اللقاء بكم في مناسبة كهذه، أن أعبر لكم عن قرب خليفة بطرس، والأساقفة ، في خدمتكم الكنسية.
إن راعوية الصحة هي بيئة إنجيلية نموذجية تعود بنا الى عمل يسوع، سامري الإنسانية الصالح. عندما كان يعبر قرى فلسطين معلناً بشرى ملكوت الله السارة، كان دائماً يَصحب التبشير بأعاجيب للمرضى، شافياً جميع الذين كانوا سجناء أي نوع من الأمراض والعاهات.
إن صحة الإنسان، كل الإنسان، كانت العلامة التي اختارها المسيح مسبقا لإظهار قرب الله، محبته الرحيمة التي تشفي الروح، النفس والجسد. ليكن اتباع المسيح ، الذي تقدمه الأناجيل كـ “الطبيب” الإلهي، أيها الأصدقاء الأعزاء، المرجع الأساسي في كلّ مبادراتكم.
إنها الرؤية الإنجيلية هذه، التي تعطي قيمة للمبدأ الخلقي الطبيعي لواجب الاعتناء بالمريض، والذي على أساسه يجب الدفاع عن كل إنسان، طبقاً للصعوبات التي يمر بها، وإمكانياتنا الملموسة في المساعدة.
إن العلم الطبي يتقدم عندما يقبل دائماً بوضع تشخيص الداء وطريقة العلاج قيد المناقشة، مع فرضية إمكانية تخطي المعلومات القديمة الموجودة والحدود المستقبلية. فالتقدير والثقة تجاه العاملين في مجال الصحة، يُقاسان بمدى دفاع هؤلاء عن الحياة واحترامهم، وسعيهم المتواصل الى إيجاد الحلول.
العناية الطبية تحق لكل كائن بشري. إن مفهوم العناية الصحية الحديث هو، في الواقع، الرقي البشري: من معالجة المريض الى المعالجة الوقائية، مع التطلع الى نموّ إنساني أكبر، من خلال تأمين بيئة عائلية واجتماعية ملائمة.
هذه الرؤية الأخلاقية المرتكزة إلى كرامة الشخص البشري وعلى الحقوق والواجبات الأساسية المرتبطة بها، تؤكد عليها وتدعمها وصية محور الرسالة المسيحية.
يدرك العاملون المسيحيون في راعوية الصحة جيداً، بأن هناك رباط وثيق وثابت بين نوعية خدمتهم المهنية وفضيلة المحبة التي يدعوهم المسيح إليها: فإنه من خلال القيام بعملهم جيداً يكونون أمام الأشخاص شهوداً لمحبة الله.
والمحبة التي هي مهمّة الكنيسة، والتي ركزت عليها في رسالتي العامة “الله محبة”، تتجسّد بطريقة مميزة في العناية بالمرضى. وهذا ما يشهد عليه تاريخ الكنيسة، من خلال شهادات كثيرة لرجال ونساء عملوا في هذا المجال.
ولذلك، فمن بين القديسين الذين مارسوا بطريقة مثالية المحبة، جئت في الإرشاد الرسولي على ذكر شخصيات كيوحنا الصليبي، كاميلّو دي ليلّيس؛ أشخاص خدموا المسيح الفقير والمتألم في المرضى.
أيها الإخوة والأخوات الأعزاء، اسمحوا إذن، اليوم بالذات، أن أكرر عليكم من جديد، الأفكار التي عرضتها في الرسالة العامة، مع التوجيهات الراعوية لخدمة الكنيسة كـ “جماعة محبة”. وعلى الرسالة العامة، أستطيع اليوم أن أضيف الإرشاد الرسولي ما بعد السينودس، الذي صدر منذ فترة وجيزة، والذي يتناول بشكل موسّع الافخارستيا “سر المحبة”.
من الإفخارستيا بالذات تستطيع راعوية الصحة أن تنهل باستمرار الزخم لإغاثة الإنسان بشكل فعّال ولتنميته طبقاً للكرامة الخاصة به.
فالإفخارستيا، الموزّعة بروح الصلاة على المرضى، هي الطاقة الحيوية التي تعزيهم وتبعث في روحهم نوراً داخلياً ليعيشوا، بإيمان ورجاء، حالة المرض والمعاناة.
أوكل إليكم هذه الوثيقة الجديدة: اجعلوها وثيقتكم، واعملوا بها في حقل راعوية الصحة، مستشفين منها الهداية الروحية والراعوية الضرورية.
ومتمنياً لكم كلّ خير في عملكم، أؤكد لكم حضوري معكم في الصلاة، وأوكلكم الى حماية مريم الكلية القداسة وشفاء المرضى، وأمنحكم وأحباءكم ومعاونيكم البركة الرسولية.