رسالة الأب الأقدس إلى المشاركين في المؤتمر العالمي التاسع للشبيبة

الفاتيكان، 30 مارس 2007 (ZENIT.org). – ننشر في ما يلي النص الكامل للرسالة التي وجهها اليوم الأب الأقدس بندكتس السادس عشر إلى رئيس الأساقفة ستانيسلاو ريلكو، رئيس المجلس الحبري للعلمانيين، وإلى المشاركين في المؤتمر العالمي التاسع للشبيبة (روكا دي بابا، 28 – 31 مارس 2007).

Share this Entry

إلى رئيس الأساقفة

 ستانيسلاو ريلكو،

رئيس المجلس الحبري للعلمانيين،

 

يسرني أن أوجه إلى حضرتكم تحية قلبية، أيها الاخ الكريم، وإلى امين السر وإلى المساعدين في المجلس الحبري للعلمانيين، وإلى المشاركين في المؤتمر العالمي التاسع للشبيبة حول موضوع: “شهود للمسيح في عالم العمل”، الذي يعقد في هذا الأسبوع الجاري في روكا دي بابا.

أتوجه بعاطفة خاصة إلى الشباب المبعوثين من المجالس الأسقفية ومن مختلف الحركات والجماعات العالمية، الآتين من القارات الخمس والملتزمين في مجالات متنوعة. وأوجه فكري أيضًا إلى المحاضرين الأجلاء، الذين قبلوا أن يضفوا على اللقاء مساهمة كفاءتهم وخبرتهم.

إن الموضوع المطروح لهو في غاية الآنية ويأخذ بعين الاعتبار التغيرات التي حصلت في السنوات الأخيرة في حقل الاقتصاد والتكنولوجيا والاتصالات، مغيرةً ملامح وأوضاع السوق المهني.

إن التقدم الذي ولّد، من ناحية، آمالاً جديدة في الشبيبة، قد جعلهم، من ناحية أخرى، عرضة لأشكال مقلقة من التهميش والاستغلال، منميًا بذلك حالة عدم الارتياح الشخصية.

بسبب الشقاق الكبير القائم بين مجالات التنشئة وعالم العمل، تكاثرت صعوبات الحصول على وظيفة تتجاوب مع الامكانيات الشخصية ومجال الدراسة. يضاف إلى ذلك القلق المتأتي من إمكانية الحفاظ، مع مرور الزمن، على وظيفة ولو وضيعة.

لقد حملت عملية العولمة الجارية في طياتها ضرورة التنقل، التي ترغم الكثير من الشبان على الهجرة وعلى العيش بعيدًا عن بلدهم الأصل، وعن العائلة.

يولد هذا الأمر في الكثيرين شعورًا بعدم الأمان، ينعكس صداه سلبًا على قدرة تخيل وتطبيق مشروع مستقبلي، لا بل أكثر من ذلك، يؤثر سلبًا على قدرة الالتزام بالزواج وبتأسيس عائلة.

فنحن بصدد مشاكل معقدة وحساسة وينبغي أن نواجهها بشكل مناسب من خلال النظر إلى واقع اليوم، ومن خلال الرجوع إلى العقيدة الاجتماعية المعروضة في تعليم الكنيسة الكاثوليكية، وبشكل أخص في خلاصة عقيدة الكنيسة الاجتماعية.

فقد سلطت الكنيسة انتباهها في السنوات الأخيرة على المسألة الاجتماعية، وخصوصًا على قضية العمل. يكفي أن نذكر الرسالة العامة ” Laborem exercens ” التي أصدرها، منذ حوالي عشرين سنة، في 14 سبتمبر 1981، سلفي الحبيب البابا يوحنا بولس الثاني. تكرر هذه الرسالة وتمنح نفحة آنية لأفكار الحبرَين الأعظمين لاوون الثالث عشر وبيوس الحادي عشر في الرسالتين العامتين ” Rerum novarum ” (1891) و ” Quadragesimo anno ” (1931)، اللتين كتبتا في الفترة التي كانت أوروبا تعيش فيها الثورة الصناعية.

في إطار ليبرالية اقتصادية كانت تتحكم فيها ضغوط السوق والمنافسة والمباراة، كانت هذه الرسائل الحبرية تدعو بقوة إلى ضرورة تقييم البعد الإنساني للعمل وإلى الدفاع عن كرامة الشخص البشري: بالواقع، إن المرجع الوحيد وراء كل نشاط إنساني لا يمكن أن يكون إلا الإنسان المخلوق على صورة الله ومثاله. فالتحليل المعمق، يقودنا إلى الإقرار بأن العمل يدخل في إطار مشروع الله بشأن الإنسان، ويشكل مشاركة في عمل الخلق والخلاص.

لذا ينبغي على كل عمل إنساني أن يكون فرصة لنمو الأفراد والمجتمع، ولتنمية “المواهب” الشخصية التي يجب تقييمها ووضعها في خدمة الخير العام، بروح من العدالة والتضامن.

وأخيرا، بالنسبة للمؤمنين، غاية العمل النهائية هي بناء ملكوت الله.

وإذ أدعوكم إلى الحفاظ على ثمار حوار وتفكير هذه الأيام، أتمنى أن يكون هذا اللقاء للمشاركين فرصة مثمرة للنمو الروحي والكنسي، بفضل التشارك في  الشهادات والخبرات، وبفضل الصلاة المشتركة والاحتفالات الليتورجية التي جمعت المشاركين.

فاليوم أكثر من ذي قبل، بات ضروريًا وطارئًا إعلان “إنجيل العمل”، والعيش كمسيحيين في عالم العمل، والقيام بدور رسل بين العاملين. ولكن، يتطلب القيام بهذه المهمة الثبات في الاتحاد بالمسيح عبر الصلاة والحياة الأسرارية المكثفة، من خلال اعتبار يوم الأحد حق قدره، كاليوم المكرس للرب.

وإذ أشجع الشبيبة على عدم الاستسلام أمام الصعوبات، أوجه لهم دعوة للقاء سوية نهار الأحد المقبل، في ساحة القديس بطرس، حيث سنحتفل بعيد الشعانين إلى جانب اليوم العالمي الثاني والعشرين للشبيبة، آخر خطوات الاستعداد للقاء الشبيبة العالمي الذي سيعقد في السنة المقبلة في سيدني، أستراليا.

إن فكرة التأمل لهذه السنة هي: “أحبوا بعضكم بعضًا كما أنا أحببتكم” (يو 13، 34). أكرر في هذه المناسبة ما قد كتبت للشبيبة في رسالتي لهم بمناسبة اليوم العالمي للشبيبة، أي أن تعاود الشبيبة إحياء “الثقة بالمحبة الحقيقية، والأمينة والصلبة؛ الحب الذي يولّد السلام والفرح؛ الحب الذي يربط الأشخاص، ويجعلهم يشعرون بأنهم أحرارًا عبر الاحترام المشترك” وقادرين على استثمار قدراتهم بالكمال.

لا يكفي أن نصبح أكثر “منافسة” و “انتاجًا”، بل أن نكون شهودًا للمحبة. هكذا، وهكذا فقط، ستتمكن شبيبة اليوم – بمساندة الرعايا والحركات والجماعات التي تفسح بالمجال لاختبار عظمة وحيوية الكنيسة – من عيش العمل كدعوة ورسالة حقة.

من أجل هذه الغاية أؤكد لكم الذكر في الصلاة وأستدعي حماية مريم ويوسف، شفيعَي العمال.

وأمنح بركتي الرسولية لكم أيها الأخ الجليل، ولجميع المشاركين في المؤتمر العالمي ولكل الشبيبة المسيحية العاملة.

 

الفاتيكان، في 28 مارس 2007

بندكتس السادس عشر

 

ترجمة وكالة زينيت العالمية (ZENIT.org)

حقوق الطبع – مكتبة النشر الفاتيكانية 2007

Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير