الفاتيكان، 22 مارس 2007 (ZENIT.org). – ننشر في ما يلي الأعداد 11 و 12 من القسم الاول من الإرشاد الرسولي "سر المحبة" لقداسة الحبر الأعظم البابا بندكتس السادس عشر حول موضوع الافخارستيا مصدر وغاية حياة الكنيسة ورسالتها.
الروح القدس والافخارستيا
يسوع والروح القدس
12. بكلمته وبالخبز والخمر، قدم لنا الرب نفسه عناصر العبادة الجديدة. الكنيسة عروسه مدعوة لتحتفل بوليمة الافخارستيا، يوماً بعد يوم، تذكارًا له. وترسخ الكنيسة بهذا الشكل ذبيحة عريسها الخلاصية في تاريخ البشرية وتجعله حاضرًا بشكل أسراري في جميع الثقافات.
يجري الاحتفال بهذا السر العظيم عبر مختلف الأشكال الليتورجية التي طورتها الكنيسة في كل زمان ومكان، بهداية الروح القدس.
في هذا المجال، من الضروري أن نعي الدور الذي يلعبه الروح القدس في تطور الأشكال الليتورجية وفي التعمق في الأسرار الإلهية. فالبراقليط، أول العطايا للمؤمنين، يعمل منذ الخلق (راجع تك 1، 2)، وهو حاضر أبدًا في مختلف مراحل وجود الكلمة المتجسد: فيسوع المسيح، حُبل به من الروح القدس في مريم العذراء (راجع متى 1، 18؛ لو 1، 35)؛ وفي مطلع رسالته العلنية، على ضفاف الأردن، حلّ الروح عليه بشكل حمامة (راجع متى 3، 16)؛ وبهذا الروح نفسه، كان يسوع يعمل ويتكلم ويتهلل (راجع لو 10، 21)؛ وبهذا الروح بذل يسوع نفسه (راجع عبر 9، 14).
في خطاب يسوع المعروف بـ "خطبة الوداع" التي ينقلها يوحنا، يربط يسوع بشكل واضح بين هبة حياته عبر السر الفصحي وعطية الروح القدس إلى خاصته (راجع يو 16، 7).
وبعد قيامته، وإذ يحمل في جسده علامات الآلام، يستطيع يسوع أن ينفخ الروح (راجع يو 20، 22)، مشركًا بذلك خاصته برسالته (راجع يو 20، 21).
والروح سيعلم التلاميذ كل شيء، سيذكرهم بكل ما قاله لهم يسوع (راجع يو 14، 26)، لأن مهمته، كروح الحق (راجع يو 15، 26)، هي إرشاد التلاميذ إلى الحق كله (راجع يو 16، 13).
وفي رواية كتاب أعمال الرسل، ينزل الروح القدس على الرسل المجتمعين للصلاة مع مريم يوم العنصرة (راجع 2، 1- 4)، ويدفعهم إلى حمل البشرى السارة إلى جميع البشر. ولهذا يبقى المسيح، بقوة الروح القدس، حاضرًا وفاعلاً في الكنيسة انطلاقًا من مركزها الحيوي: الافخارستيا.
الروح القدس والاحتفال بالافخارستيا
13. في هذا الإطار يمكننا أن نفهم دور الروح المصيري في الاحتفال الافخارستي، وخصوصًا لدى التحوّل الجوهري. ويمكننا أن نتتبع هذا الوعي في كتابات آباء الكنيسة.
يذكرنا القديس كيريلس الأورشليمي في عظاته التعليمية، بأننا "نرجو الله الرحيم لكي يرسل روحه القدوس على التقادم الموجودة أمامنا لكي يحوّل الخبز إلى جسد المسيح والخمر إلى دم المسيح. فما يمسه الروح القدس يتقدس ويتحول بالكلية".
وكذلك، يبين القديس يوحنا فم الذهب أن الكاهن يستدعي الروح القدس عندما يحتفل بالذبيحة. يقول القديس: مِثل إيليا، يجتذب المحتفل الروح القدس لكي "يُهطل النعمة على الذبيحة فتضطرم بفضلها نفوس الجميع".
من الضرورة بمكان، لخير حياة المؤمنين الروحية، أن نصل إلى وعي أكبر لغنى النافور: فإلى جانب الكلمات التي تلفّظ بها يسوع في العشاء الأخير، يتضمن النافور استدعاء الروح القدس (Epiclesis)، أي الدعاء لكي يرسل الآب الروح لكي يصبح الخبز والخمر جسد ودم يسوع المسيح ولكي "تضحي الجماعة بأسرها جسد المسيح أكثر فأكثر". فالروح الذي يستدعيه المحتفل على تقادم الخبز والخمر الموضوعة على المذبح، هو الروح نفسه الذي يجمع المؤمنين "في جسد واحد"، جاعلاً منهم تقدمة روحية مرضية لدى الآب.