جوهر الحقيقة المسيحية: إخلاء الذات الكريستولوجي

في سبيل عقلانية منفتحة (3)

Share this Entry

بقلم روبير شعيب

الفاتيكان، السبت 9 مايو 2009 (Zenit.org). – إذا ما اقتربنا من العهد الجديد، وبشكل خاص من الكتابات المنسوبة إلى القديس يوحنا، حيث نرى أن موضوع الحقيقة حاضر بقوة. يعتبر بعض المفسرين الكتابيين مثل بولتمان (Bultmann) ودود (Dodd) أن يوحنا تأثر أكثر بالمفهوم اليوناني للحقيقة منه بالمفهوم العبراني. إلا أن المفسر اليسوعي، إنياس دو لا بوتري (I. De La Potterie)، يسعى في دراسته الهامة “الحقيقة عند القديس يوحنا” إلى إظهار أن هذه الأطروحة ليست صحيحة، ويقدم الفوارق الهامة التي تميز بين الحقيقة في المفهوم الهيليني وعند القديس يوحنا.

في فكر يوحنا، وخلافًا لمفهوم الحقيقة في الفلسفة اليونانية، لا نجد أي أثر لمفهوم “البحث عن الحقيقة”، ولا حتى عن “ارتقاء” النفس نحو اكتشاف الحقيقة في الله. الأليثيا (الحقيقة) بالذات تنحدر وتأتي صوب الإنسان. هي “نعمة” و “هبة” (راجع يو 1، 17): إنها وحي يحمله يسوع المسيح إلى البشر. يتوجه الفكر باتجاه معاكس، ويتبع خطًا تنازليًا، خط إخلاء المسيح لذاته في التجسد: يسوع يكشف الحقيقة التي رآها في قلب الآب (راجع يو 8، 40)، ويبينها للعالم. إنها حقيقة تأتي من العلاء، من الله، وتتوجه إلينا في كلمة الكلمة المتجسد، الذي هو كلمة الآب (I. De La Potterie, La vérité dans saint Jean, I, op. cit., 26.).

هذا وتأخذ كلمة حقيقة عند يوحنا طابعًا “كريستولوجيًا” واضحًا؛ يقول دو لا بوتري: “الحقيقة ليست مجرد كشف عام عن الأسرار، وليست مجرد عقيدة؛ إنها الكشف عن شخص يسوع بالذات، المسيح، ابن الآب” (I. De La Potterie, La vérité dans saint Jean, II, Le croyant et la vérité, Rome 1977, 591.).

في يسوع نزلت “الشكينا”، مسكن الله وخيمة حضوره، بين البشر، خيمة حضور الله هي شخص يسوع الذي أخذ جسدًا، وجاء في وسطنا: “إنه اللوغوس الذي صار جسدًا وجعل خيمته في وسطنا” (يو 1، 14).

الحقيقة ليست واقعًا متساميًا ومجردًا نصل إليه من خلال انعزالنا عن العالم الأرضي، هي عكس ذلك بالتمام: الحقيقة المسيحية هي مبدأ فاعل، يهدف إلى تغيير حياة المسيحيين في العالم وإلى تقديسها. يأتي يسوع إلى إعلان الحقيقة التي “سمعها” من الآب (راجع يو 8، 40)، ويطلب إلى الآب أن يقدس خاصته “بالحق”، لأن “كلمة هي حق” (يو 17، 17).

إذا كانت الحقيقة في يوحنا تتركز في “شخص يسوع” – “أنا الطريق والحق والحياة”  (يو 14، 6) – من ناحية أخرى، تتماثل هذه الحقيقة مع “كلام” الله، الذي ينطق به يسوع، وتشكل هذه الكلمات الوحي اللفظي الذي يقدمه يسوع. وبالتالي، عندما يتحدث يوحنا عن الوحي، يقدم إزائية مع كلمتي “ريما” (rema) و “لوغوس” (logos)، ويستعمل تعبيرين تظهر فيهما كلمة الحقيقة كمفعول به مباشر لفعل “القول”: “ ten aletheian lalein ” و “ ten aletheian legein “.

نجد مفهوم الحقيقة المميز هذا عند القديس بولس أيضًا – إذا ما أردنا البقاء في إطار العهد الجديد – حيث يستعمل الرسول تعبير العهد القديم “كلمة الحق”  (logos aletheias) (2 كور 6، 7)، ويشرح التعبير موسعًا في نص آخر “إنجيل خلاصنا” (to euaggelion tes soterias umon) (أف 1، 13) وفي كول 1، 5 يضيف الكلمات التالية: “كلمة حق الإنجيل” (ho logos tes aletheias tou euaggelion). فمع القديس بولس ندخل في إطار الـ “ميستريون”، السر العظيم الذي لا يعبر عن لغز أو عن مفهوم معقد وخفي، بل عن مشروع خلاصي محفوظ في قلب الله منذ خلق العالم وقد ظهر في ملء الأزمنة في يسوع (Cf. P.T. O’Brien¸  “Mistero”, in G.F. Hawthorne – R.P. Martin – D.G. Reid (edd.), Dizionario di Paolo e delle sue lettere, Cinisello Balsamo 1999, 1032-5).

Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير