روما، الخميس 21 مايو 2009 (Zenit.org) – يعتبر بندكتس السادس عشر كتاب الأب ماتيو ريتشي عن الصداقة "قدوة لقاء مثمر بين الحضارتين الأوروبية والصينية" و"قدوة انثقاف المسيحية في الصين".

البابا بندكتس السادس عشر وجه رسالة إلى المونسنيور كلاوديو جيوغليودوري، أسقف ماسيراتا- تولينتينو- ريكاناتي- سينغولي- تريا-، بمناسبة إطلاق مختلف المبادرات للاحتفال باليوبيل المئوي الرابع لوفاة الأب اليسوعي ماتيو ريتشي، الرسول في الصين المولود في ماسيراتا.

ننشر في ما يلي رسالة بندكتس السادس عشر:

***

سررت بالمباردات المختلفة التي تنظم في هذه الأبرشية في أماكن كنسية ومدنية لإحياء ذكرى اليوبيل المئوي الرابع لوفاة الأب ماتيو ريتشي من أتباع يسوع التي حدثت في بكين في 11 مايو 1610. بمناسبة افتتاح هذه السنة اليوبيلية الاستثنائية، يسرني أن أوجه لكم ولكل الجماعة الأبرشية تحياتي القلبية.

إن الأب اليسوعي الذي ولد في ماسيراتا في 6 أكتوبر 1552 والذي تمتع بإيمان عميق ونبوغ ثقافي وعلمي، كرس سنوات طوال من حياته لنسج حوار مثمر بين الغرب والشرق، عاملاً بطريقة معاصرة على تجذير الإنجيل في ثقافة شعب الصين العظيم. ما تزال قدوته اليوم مثال لقاء مثمر بين الحضارتين الأوروبية والصينية.

لذا أتحد بكل سرور مع الأشخاص الذين يعتبرون ابن بلادكم السخي خادماً مطيعاً في الكنيسة، ورسولاً باسلاً وذكياً لإنجيل المسيح. من خلال الاطلاع على نشاطه العلمي والروحي الكبير، لا يسع الإنسان إلا التأثر بالقدرة المبدعة الاستثنائية التي عرض فيها بكل احترام للتقاليد الثقافية والروحية الصينية في جملتها. ففي الحقيقة أن هذا السلوك هو الذي ميز رسالته الهادفة إلى البحث عن إمكانية تناغم بين الحضارة الصينية الرفيعة والألفية، والحداثة المسيحية التي هي خميرة تحرير وتجديد حقيقي في كل مجتمع إذ أن الإنجيل رسالة خلاص شامل موجه لكل البشر مهما كانت انتماءاتهم الثقافية والدينية.

إضافة إلى ذلك إن ما جعل رسالته متميزة وحتى نبوية هو التعاطف العميق الذي كان ينميه للصينيين ولتاريخهم وثقافاتهم وتقاليدهم الدينية. يكفي أن نذكر كتابه عن الصداقة (De amicitia – Jiaoyoulum) الذي لاقى نجاحاً كبيراً منذ طبعته الأولى في نانكين سنة 1595. ولكونه قدوة حوار واحترام لمعتقدات الآخرين، جعل ابن وطنكم من الصداقة نمطاً لرسالته على مدى 28 عاماً من إقامته في الصين. والصداقة التي كان يقدمها كانت متبادلة لدى السكان المحليين بفضل أجواء الاحترام والتقدير التي كان يسعى إلى تعزيزها من خلال التعرف بشكل أفضل إلى تقاليد الصين في تلك الحقبة. على الرغم من الصعوبات ومراحل سوء الفهم التي واجهته، أراد الأب ريتشي أن يبقى أميناً لنمط التبشير بالإنجيل حتى مماته، معتمداً منهجية علمية واستراتيجية رعوية مبنيتين من جهة على احترام العادات التي كان يجب على الأعضاء الصينيين الجدد ألا يتخلوا عنها باعتناقهم الديانة المسيحية، ومن جهة أخرى على إدراك أن الوحي قادر على تنميتهم وإتمامهم أكثر فأكثر. انطلاقاً من هذه القناعات، وعلى غرار آباء الكنيسة عند لقاء الإنجيل مع الثقافة اليونانية الرومانية، فرض هذا المتبصر عمل انثقاف المسيحية في الصين في ظل تفاهم دائم مع حكماء هذه البلاد.

أتمنى من كل قلبي أن تقدم الاحتفالات اليوبيلية المكرسة له – اللقاءات والمنشورات والمعارض والمؤتمرات وغيرها من الأحداث الثقافية في إيطاليا وفي الصين – الفرصة للتعمق في معرفة شخصيته ونشاطه. على مثاله، فلتتمكن جماعاتنا التي تضم أشخاصاً من مختلف الثقافات والديانات من النمو في روح القبول والاحترام المتبادلين. فليكن ذكر ابن ماسيراتا الرفيع حافزاً لهذه الجماعة الأبرشية لتعزيز هذا المبتغى التبشيري الذي يحيي حياة كل تلميذ حقيقي من تلاميذ المسيح.

أخي الموقر، أتمنى النجاح الكامل للاحتفالات اليوبيلية المرتقبة ابتداءً من 11 مايو المقبل وأؤكد لكم على ذكركم في صلواتي. ومن خلال ابتهالي شفاعة مريم ملكة الصين، أمنح بركتي لكم ولجميع الأشخاص الموكلين إلى رعايتكم.

من الفاتيكان، 6 مايو 2009

حقوق الطبع محفوظة لمكتبة النشر الفاتيكانية 2009