القدس، الاثنين 11 مايو 2009 (zenit.org) – إذاعة الفاتيكان – في ختام حفل الترحيب الذي جرى على أرض مطار بن غوريون الدولي بتل أبيب توجه البابا بندكتس السادس عشر إلى القدس بواسطة الطائرة المروحية فكان في استقباله عمدة المدينة السيدة نير بركات ليتوجه بعدها إلى مقر البعثة الرسولية في القدس حيث تناول طعام الغداء. بعد فترة قصيرة من الراحة انتقل الحبر الأعظم إلى القصر الرئاسي حيث قام بزيارة مجاملة لرئيس البلاد شمعون بيريز وبعد أن وجه هذا الأخير كلمة رحب فيها بالضيف الكبير، ألقى البابا بدوره كلمة هذا نصها:
سيدي الرئيس،
أيها السيدات والسادة،
في مبادرة ضيافة ودية رحب بنا الرئيس بيريز في مقره إذ أعطانا إمكانية توجيه تحية للجميع وفي الوقت نفسه مقاسمة بعض الاعتبارات. سيدي الرئيس، نشكرك على ضيافتك اللطيفة وعلى كلمات الترحيب التي أبادلها من صميم القلب. أشكر أيضا الموسيقيين الذين قدموا لنا مقاطع فنية.
سيدي الرئيس، في رسالة التهنئة التي وجهتها لمناسبة تسلمكم مهامكم ذكّرت بطيبة قلب بما قمتم به من خدمات ميّزها التزام كبير في تحقيق العدالة والسلام، وأرغب اليوم بأن أؤكد لكم وللحكومة المشكلة حديثا، وكذلك أيضا لجميع سكان دولة إسرائيل، على أن حجي إلى الأماكن المقدسة حج صلاة من أجل عطية الوحدة والسلام الثمينة للشرق الأوسط وللبشرية جمعاء. الحق أني أصلي كل يوم كي يعود السلام الذي يولد من العدالة إلى الأرض المقدسة والمنطقة بكاملها حاملا للجميع أمنا ورجاء متجددين.
السلام أولا عطية إلهية. السلام في الواقع وعد الكلي القدرة للجنس البشري بكامله ويحفظ الوحدة. “أنا أعرف ما نويت لكم من خير لا من شر، فيكون لكم الغد الذي ترجون” (إرميا 29، 11). يذكر النبي بوعد الكلي القدرة الذي “سيوجد بيننا” و”يستمع إلينا” و”يجمعنا من بين كل الأمم”. ولكن هناك شرط: علينا أن نبحث عنه “بكل قلوبنا” (المرجع نفسه 29، 12 � 14).
إلى القادة الدينيين الحاضرين اليوم أود أن أقول لهم إن إسهام الديانات الخاص في البحث عن السلام يستند أولا إلى البحث الحميم معا عن الله. مهمتنا هي أن نعلن ونشهد على أن الكلي القدرة حاضر حتى عندما يبدو مخفيا عن أعيننا ويعمل في عالمنا من أجل خيرنا وأن مستقبل المجتمع يتميز بالرجاء حينما يسير بتجانس مع النظام الإلهي. حضور الله الحيوي يجمع معا القلوب ويضمن الوحدة. في الواقع، إن آخر أساس للوحدة بين الأشخاص يكمن في وحدانية وجامعية الله الذي خلق الرجل والمرأة على صورته ومثاله ليقودنا نحو حياته الإلهية كي يكون الجميع واحدا.
ولذلك على القادة الدينيين أن يعوا أن أي انشقاق أو توتر وأي ميل للانغلاق أو للشك بين المؤمنين أو بين جماعاتنا قد يقود بسهولة إلى تضارب يخفي وحدانية الكلي القدرة ويخون وحدتنا ويتضارب مع الإله الواحد الذي يعلن عن ذاته “كثير المراحم والوفاء” (خروج 34، 6؛ مزمور 138، 2؛ مزمور 85، 11). أيها الأصدقاء، إن القدس التي كانت منذ زمن بعيد ملتقى لشعوب من مختلف الأصول هي مدينة قادرة على أن تسمح لليهود والمسيحيين والمسلمين بأن يتحملوا واجب التمتع بامتياز أداء شهادة معا للتواجد السلمي الذي طالما شاءه المؤمنون بالإله الواحد وكذلك أيضا بالإعلان عن تدبير الله، الذي أعلن عنه إبراهيم، بشأن وحدة العائلة البشرية وعن طبيعة الإنسان الحقيقة كباحث عن الله. فلنلتزم إذا من خلال توجيه وتعليم جماعاتنا كي يكون الكل أمناء على ما هم عليه من الإيمان، وعيا منهم بصلاح الله اللامتناهي، وبكرامة كل كائن بشري التي لا تمس وبوحدة الأسرة البشرية بكاملها.
تقدم القراءات المقدسة فهما عادلا للأمن. فحسب التقليد اليهودي إن الأمن ـ باتاه ـ يولد من الثقة ولا يعني فقط غياب التهديد إنما أيضا مشاعر الهدوء والثقة. نقرأ في سفر أشعيا النبي عن فترة بركة إلهية: “لكن الروح تفيض من العلاء، فتصير البرية جنائن والجنائن تعد غابا، فيسكن العدل في البرية ويقيم الحق في الجنائن، ومع العدل يجيء السلام ومع الحق دوام الراحة والأمن” (أشعيا 32، 15 � 17). إن الأمن والسيادة والعدالة والسلام لا تنفصل في تصميم الله حول العالم. وبعيدا عن كونها ببساطة نتاج الجهد البشري إنما هي قيم تنبعث من العلاقة الأساسية بين الله والإنسان وتكمن كإرث مشترك في قلب كل فرد.
وهناك سبيل واحد لحماية هذه القيم وإنمائها: ممارستها! عيشها! لا يعفى فرد، عائلة، جماعة أو أمة من واجب العيش في العدالة والعمل من أجل السلام. من الطبيعي أن ننتظر من القادة المدنيين والسياسيين أن يضمنوا أمنا عادلا وملائما للشعب الذي أوكلت إليهم خدمته. ويشكل هذا الهدف جزءا من الإنماء العادل لقيم الإنسانية المشتركة والتي لا تتناقض مع وحدة العائلة البشرية. إن القيم والأهداف الأصيلة لمجتمع ما، تصون دائما الكرامة الإنسانية، لا يمكن فصلها فهي جامعية ومترابطة فيما بينها (الخطاب في الأمم المتحدة، 18 أبريل 2008)، وبالأحرى يصعب تحقيقها عندما تقع فريسة مصالح خاصة أو سياسات مجزأة. تتحقق مصلحة أمة ما من خلال تحقيق العدالة للجميع.
أيها السيدات والسادة، السلام الدائم مسألة ثقة تغذيها العدالة والسيادة ويختمها ارتداد القلوب الذي يجبرنا على النظر إلى عيني الآخر لنقر بأنه على مثالي، أخ لي، أخت لي. وبهذه الطريقة ألا يصبح المجتمع نفسه “برية تصير جنائن” (أشعيا 32، 15) لا تميزه المعسكرات والحواجز إنما التلاحم والتج
انس؟ ألا يمكن المجتمع أن يصبح جماعة لها تطلعات نبيلة حيث تعطى للجميع فرصة التربية والمسكن العائلي وإمكانية العمل، مجتمع مستعد للبناء على أسس الرجاء؟
ختاما، أرغب بالتوجه إلى عائلات هذه المدينة وهذه الأرض. أي والدين يريدون العنف وغياب الأمن أو الانشقاق لابنهم أو لابنتهم؟ أي هدف سياسي ذي طابع إنساني يمكن تحقيقه من خلال النزاعات وأعمال العنف؟ أسمع صراخ العائشين في هذا البلد طلبا للعدالة والسلام واحترام كرامتهم والأمن المستقر وحياة يومية خالية من مخاوف التهديدات الخارجية والعنف غير المبرر. أعلم أن هناك عددا كبيرا من الرجال والنساء والشباب يعملون من أجل السلام والتضامن عبر برامج ثقافية ومبادرات دعم عملي وعطوف ولديهم التواضع الكافي للمسامحة والشجاعة لتحقيق ما يحق لهم من أحلام.
سيدي الرئيس، أشكركم على لطفكم وأؤكد لكم مرة أخرى صلواتي من أجل الحكومة وجميع مواطني هذه الدولة. فليقد ارتداد قلوب الجميع الأصيل نحو التزام أكثر عمقا من أجل السلام والأمن من خلال تحقيق العدالة لكل واحد. شالوم!