محاضرة ريغينسبورغ وزيارة البابا للأراضي المقدسة كرجل سلام (3)

Share this Entry

بقلم الأب يوأنس لحظي جيد

روما، الخميس 28 مايو 2009 (zenit.org). – ننشر في ما يلي القسم الثالث من تعليق الأب يوأنس لحظي جيد رئيس تحرير موقع كنيسة الإسكندرية الكاثوليكي.

 

دورس من زيارة قداسة البابا لمنطقتنا العربية:

1– الحرية الدينية:

لم يترك قداسة البابا مناسبة إلا وطالب بحرية العبادة كحق أساسي من حقوق الإنسان، كل إنسان وأي إنسان، حق معترف به دوليا وحتى من البلاد الشيوعية والملحدة والعلمانية، ولكنه فقط في وطننا العربي مغتصب وممنوع؟

وقد أكد دائما الفاتيكان: “أن هذا حق أصلي لكل إنسان”. ودعا منذ فترة طويلة لمنح المسيحيين في الدول الإسلامية حقوقا أكبر لاسيما في السعودية حيث لا يسمح للأقلية المسيحية الصغيرة بممارسة شعائرها الدينية علنا. وعندما استقبل البابا الملك عبد الله في الفاتيكان في نوفمبر تشرين الثاني الماضي بحث معه وضع الأقلية المسيحية في المملكة.

وقال البابا “من المفهوم أن الظروف قد تدفع المسيحيين أحيانا إلى ترك بلدانهم بحثا عن أرض يلقون فيها ترحيبا اكبر وحيث يسمح لهم بأن يعيشوا بحرية أكبر”. وأضاف “لكن يجب علينا أن نشجع وأن نؤيد بشدة أولئك الذين اختاروا أن يظلوا أوفياء لأرضهم كي لا تتحول إلى موقع أثرية خالية من أي حياة كنسية”. وفي السابق عبر البابا عن قلقه بشكل خاص لنزوح المسيحيين من العراق حيث قتل عدد من رجال الدين المسيحيين (14).

لأن الحرية الدينية ليست واحدة من بين الحقوق الإنسانية، بل هي أبرزها(15).

2- المناداة بالظلم والقهر:

لم يترك أيضا مناسبة إلا ونادى بالظلم والعنف باسم الدين والاستغلال الايدولجي للدين لهداف سياسية، مؤكدا أن الدين لله وأن السياسة عندما تتدخل في الدين تُفقد الدين معناه وتحوله إلى وسيلة في يد الساسة للعب به وبمشاعر العامة من الشعب لأهدافها السياسية والتي لا علاقة لها بالدين، وخلاصة قول قداسته هي: “أتركوا الدين بعيدا عن السياسة ولا تجعلوا السياسة توجه الدين لأن هذا يقود للعنف وللتخلف الاقتصادي والحضاري” ، أوليس هذا ما نعانيه في وطننا العربي؟؟؟ هذا ملخص ما قال في مسجد عمان.

وقال في زيارته نصب ياد فاشيم موجها كلمته للشهب اليهودي وللجميع:

بإمكان المرء أن يسرق مقتنيات جاره، أن يفوّت عليه فرصا مهمة أو أن يحرمه من حريته. بإمكان المرء أن يحيك شبكة من الأكاذيب ليقنع الآخرين بأن بعض الجماعات لا تستحق الاحترام. ولكن مهما حاول الإنسان لا يستطيع أبدا أن يسلب اسم كائن بشري آخر… إن الكنيسة الكاثوليكية الملتزمة في تعاليم يسوع والتي ترنو إلى الاقتداء بمحبة كل شخص تشعر برحمة عميقة تجاه الضحايا الذين ذكرناهم. وفي الوقت نفسه تقف إلى جانب الذين يعانون اليوم من اضطهادات بدافع العرق واللون والدين والظروف الحياتية وتقاسمهم آلامهم ورجاءهم بالعدالة”(16).

3- كرامة المرأة

فقد قال قداسته في عظته بإستاد عمان: “في إطار سنة العائلة شكلت مسألة كرامة المرأة الخاصة، دعوتها ورسالتها في تدبير الله موضع تأملاتنا. كم تشعر الكنيسة في هذه الأراضي بعرفان الجميل لشهادة الإيمان والمحبة لأعداد لا تحصى من الأمهات المسيحيات، الراهبات، المدرسات، الطبيبات والممرضات، وكم هو فضل جميع النساء اللواتي كرسن حياتهن بشكل أو بآخر وبشجاعة في بعض الأحيان لبناء السلام وتنمية المحبة على مجتمعكم! في مطلع الكتاب المقدس نرى كيف أن الرجل والمرأة، المخلوقين على صورة الله، تكاملا مع بعضهما وتعاونا مع الله من خلال وهب الحياة لعالمنا، مادية كانت أم روحية. لكن وللأسف لم يلق غالبا دور المرأة وآرامتها، اللذين هما هبة من لدن الله، ما يكفي من الفهم والتقدير. ينبغي على الكنيسة والمجتمع ككل أن يدركا ما نحن بحاجة ماسة إليه، ما سماه سلفي البابا يوحنا بولس الثاني “الموهبة النبوية” للمرأة (في كرامة المرأة، 29) كحاملة للمحبة، مربية على الرأفة، بانية للسلام ومعطية الدفء والإنسانية لعالم غالبا ما ينظر إلى قيم الشخص بعين الاستغلال والمنفعة. إن الكنيسة في الأرض المقدسة، من خلال شهادتها العلنية لاحترام النساء ودفاعها عن الكرامة المتأصلة بطبيعة الشخص البشري، قادرة على تقديم إسهام كبير في نمو ثقافة بشرية حقة وفي بناء حضارة المحبة”.

فلا نمو بلا مساواة بين الرجل والمرأة وبين جميع أفراد العائلة البشرية.

4- حل الدولتين:

تكلم البابا عن ضرورة قيام دولتين (فلسطينية وإسرائيلية) وطالب بحل عادل للجميع: “فيتمكن هكذا كلا الشعبين من العيش بسلام، كل في وطنه”… أليس هذا كل ما يمكنه أن يقول؟ أم أنه كان يجب أن يدعوا جيوشه العظيمة لتحرير الأراضي الفلسطينية من الإسرائيليين وتسليمها للفلسطينيين هدية محبة؟؟؟؟…

أليس كل ما يتمناه أي فلسطيني وأي إسرائيلي مخلص هو دولة يحيا فيها بسلام؟ (17).

 

5- الحوار اليهودي والإسلامي:

وهنا أقتبس من كلمة البابا في لقاءه مع المنظمات الملتزمة في الحوار بين الأديان في أورشليم:

“يعاش الإيمان دوما في قلب ثقافة ما، ويبين لنا تاريخ الأديان أن جماعة المؤمنين تسير تدريجيا نحو ملء أمانتها لله إذ تستقي في مسيرتها من الثقافة التي تعايشها لتصقلها. نجد هذه الدينامي
كية عينها لدى مؤمني الديانات التوحيدية الثلاث الكبرى: إننا نستجيب لدعوة الله على مثال إبراهيم ونرحل للبحث عن تمام وعوده، نسعى جاهدين للانصياع لمشيئته ونشق دربا في ثقافتنا الخاصة… اليوم وبعد ما يقارب أربعة آلاف سنة على مجيء إبراهيم لا يتم اللقاء بين الأديان والثقافة على صعيد جغرافي وحسب فقد خلقت بعض نواحي ظاهرة العولمة وخصوصا عالم الإنترنت ثقافة افتراضية واسعة النطاق ذات قيمة متنوعة وأوجه عدة. مما لا شك فيه أن انجازات كثيرة تحققت بهدف تعزيز الوحدة والتقارب بين أعضاء العائلة البشرية، على كل حال وفي الوقت نفسه فإن الاستخدام غير المحدود للحاسوب الذي يحصل الأشخاص من خلاله وبسهولة على معلومات من مصادر متنوعة  قادر على أن يصبح عامل تفكك: تتفتت وحدة المعرفة فيما يتم إهمال التمييز والتفرقة المأخوذين من التقاليد الأكاديمية والأخلاقية… نرى إمكانية وحدة غير منوطة بالتماثل. وقد تبدو في بعض الأحيان الخلافات التي نعالجها في الحوار الديني المشترك كحواجز، مع ذلك فهي لا تقتضي تعتيم المعنى المشترك للمخاوف الوقورة واحترام الطابع الجامعي والمطلق والحقيقة التي تدفع بالدرجة الأولى المؤمنين إلى إقامة علاقات الواحد مع الآخر. إنه اقتناع مشترك بأن الوقائع المتسامية تجد مصدرها في الكلي القدرة وتحمل بصمات الله الذي يمجده المؤمنون الواحد تجاه الآخر وأمام المنظمات ومجتمعنا وعالمنا. بهذه الطريقة لا نغني الثقافة وحسب بل نصقلها: حياة أمانة دينية تردد صدى حضور الله القوي وتشكل ثقافة لا تعرف حدود الزمان والمكان إذ تغذيها أساسا المبادئ والأعمال المتأتية عن الإيمان… إن الإيمان الديني يتطلب الحقيقة والمؤمن هو من يبحث عن الحقيقة ويعيش استنادا إليها. على الرغم من أن الوسيلة التي نبحث من خلالها عن الحقيقة وندركها تختلف بعض الشيء بين ديانة وأخرى ينبغي ألا تحبط عزيمتنا في الشهادة لقوة الحقيقة. باستطاعتنا أن نعلن سويا أن الله موجود ويمكن التعرف عليه وأن الأرض خليقته وأننا خلائقه وأنه يدعو كل رجل وامرأة إلى نمط حياة يحترم المخطط الذي وضعه من أجل العالم. أيها الأصدقاء، إذا آمنا أن معيار الحكم والتمييز مستمد من الله وموجه للبشرية كلها لا يسعنا أن نكل في جعل هذه المعرفة تؤثر على الحياة المدنية. ينبغي أن توضع الحقيقة بتصرف الجميع لأن أعضاء المجتمع كافة بحاجة إليها. إن الحقيقة تسلط الضوء على الأسس الأدبية والخلقية وتملأ العقل بالقوة اللازمة لتخطي حدوده للتعبير عن أعمق تطلعاتنا المشتركة. الحقيقة لا تهدد التسامح إزاء الاختلافات والتعددية الثقافية بل تجعل الوفاق ممكنا وتثبت النقاش العام في المنطق والنزاهة والوضوح وتمهد الطريق أمام السلام. في الواقع إن إنماء الرغبة في طاعة الحقيقة يوسع آفاق فهمنا للمنطق ولإطار تطبيقه ويجعل ممكنا الحوار الأصيل بين الثقافات والأديان والذي نحتاج إليه اليوم بشكل خاص” (18).

 

6- الشهادة للحق والعيش بحسب الحقيقة:

وقد قال قداسته أيضا في مقال بعنوان: “الحوار بين الأديان لا يمكن أن يتم بمعزل عن البحث عن الحقيقة: “تريد الكنيسة أن تستمر في بناء جسور الصداقة مع أتباع كل الديانات، بغية البحث عن الخير الأصيل لصالح كل إنسان والمجتمع ككل”. ثم كرر البابا التشديد بأن الإيمان المسيحي لا يعتبر “الحقيقة والعدل والحب مجرد مثل عليا، بل هي وقائع مهمة جدًا”، موضحًا أن “المحبة بالنسبة للكنيسة ليست نوعًا من الرعاية الاجتماعية التي يمكن إيكالها إلى الآخرين، بل هي أمر يرتبط بطبيعة الكنيسة بالذات، وهي تعبير عن جوهرها بالذات” (راجع الرسالة العامة “الله محبة”، 25)-(19).

ودعونا في نهاية هذا المقال نتساءل: أين إدانة الدول العربية والعالم الإسلامي من الظلم الذي تتعرض له الأقليات المسيحية في كثير من الدول العربية؟ أين إدانة الدول العربية لأعمال الإرهاب التي تتم باسم الدين ويقتل فيها الأبرياء؟ أين الاعتذارات التي قدمها العالم الإسلامي ليسأل من الآخرين أن يقدموا له بدورهم الاعتذار؟ ولماذا يطلب الاعتذار عن الحروب الصليبية ولم يعتذر أبدا عن حروبه لنشر الدين في أوروبا وأفريقيا؟ ولماذا يسمي حروبه فتوحات وفتوحات الآخرين حروب؟

كفانا ازدواجية في المعايير ولنتعلم من السيد المسيح: “لماذا تنظر إلى القشة في عين اخيك ولا تبالي بالخشبة في عينك ، بل كيف تقول لأخيك: دعني أخرج القشة من عينك وها هي الخشبة في عينك أنت ؟ يا مرائي أخرج الخشبة من عينك أولا حتى تبصر جيدا فتخرج القشة من عين أخيك” لوقا 7 : 1- 5

واختتم مقالي بدعوة جميع الكاثوليك بالفرح والابتهال لأن الأب الأقدس جاء إلى إلى الأراضي المقدسة وتكلم بشجاعة الأنبياء لم يتملق للشر ولا يحني هامته أمام رجالات السياسة أو الإرهابيين… جاء ليعلن الحب والسلام والمساواة للجميع دون تفرقه بين أحد، لا اللون، ولا العرق، ولا الدين، ولا اللغة… لأن الله يشرق شمسه على الجميع ولأنه يريد أن الجميع يخلصون ولمعرفة الحق يبلغون.. ولنصلي لكي يتعلم الجميع منه الشهادة للحق بالمحبة.

Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير