بقلم روبير شعيب
الفاتيكان، الأحد 31 مايو 2009 (Zenit.org). – احتفل الأب الأقدس بندكتس السادس عشر بقداس عيد العنصرة المجيدة في البازيليك الفاتيكانية، وبعد تلاوة الإنجيل المقدسة تحدث الأب الأقدس في عظته عن معاني هذا العيد منطلقًا من سرد لوقا في الفصل الثاني من كتاب أعمال الرسل.
وقارن البابا في مطلع عظته بين يسوع وشخصية بروموتيوس من الميثولوجيا اليونانية فقال أن يسوع حمل إلى الأرض النار الحقة، نار الروح القدس. فهو لم ينتزع هذه النار من الآلهة، كما فعل بروميتيوس، بحسب الأسطورة اليونانية، بل صار وسيطًا لـ “هبة الله” فنالها لنا بواسطة أكبر فعل حب في التاريخ: موته على الصليب.
واعتبر البابا أن يسوع هو “السبيل الطبيعي” الذي اختاره الله لكي “يلقي النار على الأرض”، والكنيسة جسد المسيح السري هي موكلة بأن تستمر في نشر نار الله في العالم.
شروط الحصول على الروح القدس
ولكي لا تكون العنصرة مجرد ذكرى تقوية، استشهد البابا بالاستعدادات التي يصفها كتاب أعمال الرسل في حياة الرسل والتلاميذ قبل حلول الروح القدس، حيث يقول: “كانوا مثابرين على الصلاة بقلب واحد” (أع 1، 14).
“وعليه –علق البابا –إن اتفاق التلاميذ هو الشرط لكي يأتي الروح القدس؛ وركيزة الاتفاق هي الصلاة”، لافتًا أن هذا الأمر ينطبق على مسيحيي اليوم، وعلى كنيسة اليوم، فالصلاة وحياة الوحدة الكنسية تجعل من العنصرة “حدث خلاص آني”.
التلوث الروحي والهواء الصافي
وبالحديث عن صورة العاصفة التي يستعملها لوقا للحديث عن حلول الروح القدس، انتقل الأب الأقدس إلى الحديث عن أهمية الهواء الذي يجعل الحياة ممكنة على كوكبنا.
وقال: “ما يعنيه الهواء للحياة البيولوجية، هو الروح بالنسبة للحياة الروحية؛ وكما يوجد التلوث البيئي، الذي يسمم الجو والكائنات الحية، كذلك هناك تلوث القلب والروح، الذي يقتل ويسمم الوجود الروحي. وكما لا يجب أن نتأقلم مع السموم في الهواء – ومن هنا يشكل الالتزام البيئوي أولية في أيامنا – كذلك يجب أن نتصرف مع ما يفسد الروح”.
وتأسف الأب الأقدس لأن هناك الكثير من المواد الملوثة للفكر والقلب في مجتمعنا – مثل الصور التي تجعل من اللذة والعنف أو احتقار الرجل والمرأة نوعًا من استعراض – ويبدو أننا نعتاد على هذه الأمور دون صعوبات”.
وأضاف: “يقال أن هذه حرية أيضًا، دون إدراك أن هذا يلوث ويسمم النفوس وخصوص نفوس الأجيال الصاعدة، وينتهي بنا الأمر بإرادة مكبَّلة. صورة الريح العاصف في العنصرة يجعلنا نفكر بأهمية تنفس الهواء النقي، للرئى الجسدية، وللقلب الروحي، هواء الروح الصافي الذي هو الحب”.
نار الموت ونار الحياة
وبالحديث عن الصورة الثانية التي يستعملها لوقا، صورة النار، عاد البابا إلى المقارنة بين يسوع وشخصية بروميتيوس الأسطورية، التي “تذكرنا بطابع مميِّز للإنسان المعاصر”.
وقال البابا: “بعد سيطرته على قوى الكون – النار – يبدو وكأن الكائن البشري اليوم يريد أن يبرهن عن نفسه بأنه إله ويريد أن يغير العالم مستثنيًا، مهمشًا بل ورافضًا خالق الكون. لا يريد الإنسان أن يكون من بعد صورة الله، بل صورة نفسه؛ يعلن عن نفسه بأنه مستقل، حر وناضج”.
وعلق قائلاً: “من الواضح أن هذا الموقف يُظهر عن علاقة غير أصيلة مع الله، نتيجة لصورة مغلوطة أقامها، كالابن الضال في المثل الإنجيلي الذي يعتقد بأنه يحقق ذاته بابتعاده عن بيت أبيه. في يدي إنسان من هذا النوع، تضحي النار وقوتها العظيمة أداة خطرة: فهو يستطيع أن ينقلب على الحياة وعلى البشرية عينها، كما يبين لنا التاريخ للأسف. تبقى مآسي هيروشيما وناكازاكي، حيث استعملت الطاقة الذرية لأهداف حربية فأدت إلى زرع الموت بمقادير لم يُسمع بها سابقًا، كتحذير دائم لنا”.
ثم عاد البابا إلى الحديث عن النار التي حملها المسيح، نار الروح القدس “أي حب الله الذي “يجدد وجه الأرض” مطهرًا إياها من الشر ومحررًا إياها من سلطان الموت”.