“من أقام في المحبة أقام في الله وأقام الله فيه”
بقلم روبير شعيب
الفاتيكان، الأربعاء 16 سبتمبر 2009 (Zenit.org). – استعرض البابا بندكتس السادس عشر في تعليم الأربعاء سيرة وروحانية راهب شرقي شهير هو سمعان اللاهوتي الجديد والذي أثرت كتاباته بشكل لافت على لاهوت وروحانية الشرق، وبشكل خاص في ما يتعلق بخبرة الاتحاد الصوفي بالله، لدرجة أنه نال لقب “اللاهوتي” الذي منحه التقليد الشرقي قبله إلى شخصيتين في تاريخ الكنيسة: القديس يوحنا الإنجيلي لسمو إنجيله، والذي حلق بفضل مقدمته في سماء اللاهوت كالنسر، والقديس غريغوريوس النيزينزي الذي ألقى خمس خطب عرفت باسم “الخطب اللاهوتية”، والتي لعمقها يبدو للقارئ أنها تتلى في حضرة الله الثالوث.
أشار البابا في حديثه عن سيرة القديس إلى حادثة في شبابه كان لها تأثير كبير على باقي حياته، حادثة تبين أولوية الضمير في المسيرة الروحية. فبعد أن نصحه أبوه الروحي بقراءة “القانون الروحي” لمرقس الراهب، وجد سمعان اللاهوتي الجديد في هذا النص تعليمًا أثر به كثيرًا: “إذا طلبت الشفاء الروحي فانتبه على ضميرك. كل ما يقوله لك افعله وستجد ما هو نافع لك”.
هذا وتأمل الأب الأقدس أيضًا بعبرة أخرى من خبرات القديس حيث استعرض بحث وقلق القديس لمعرفة إرادة الله إلى أن سمع يومًا في باطنه صوتًا يثبته في مسيرته، إلا أنه ما لبث أن شكك بهذا الوحي متسائلاً عما إذا كانت تلك الخبرة مجرد وهم. وفي إحدى الأيام حدث أمر جوهري في خبرته الصوفية. بدأ يشعر بأنه “فقير يحب إخوته” (ptochós philádelphos). وبدأ يرى حوله الكثير من الأعداء الذين يكيدون ليوقعوا به ويؤذوه، ولكن رغم ذلك شعر في ذاته بحب كبير نحوهم.
وشرح البابا هذه الحادثة بالقول: من الواضح أن هذا الحب لم يكن ممكنًا أن يصدر عنه، بل يجب أن ينبع من أصل آخر. عندها فهم سمعان أن هذا الحب يأتي من المسيح الحاضر فيه وبات كل شيء واضحًا له: نال البرهان القاطع عن أن نبع الحب فيه هو حضور المسيح وأن يعيش الإنسان حبًا يتخطى النوايا الشخصية هو دليل على أن منهل الحب هو حاضر فيّ”.
“وهكذا من ناحية يمكننا أن نقول أنه دون انفتاح معين على الحب لا يستطيع المسيح أن يدخل فينا، ولكن من ناحية أخرى، يضحي المسيح منبع الحب ويحولنا”.
إن هذا التعليم الذي يورده القديس والذي يعلق عليه الأب الأقدس هو تعليم عريق وقديم، نجد صدى له في رسالة يوحنا الأولى: “من أقام في المحبة أقام في الله وأقام الله فيه” (ا يو 4).
ولذا يشكل الحب الحقيقي، حب القريب وحب الأعداء معيارًا أساسيًا يعلمنا إذا ما كنا حقًا قريبين من الله، وإذا كان الله يعيش حقًا فينا. علمًا بأن “حب الله ينمو فينا فقط إذا بقينا متحدين به بالصلاة والإصغاء لكلمته، وبانفتاح القلب”.
“وحده الحب الإلهي يجعلنا نفتح القلب على الآخرين ويجعلنا نبيهين على احتياجات الآخرين، فنعتبرهم إخوة وأخوات، ويحضنا على الإجابة بحب على البغض وبالغفران على الإساءة”.
هذا وتحدث الأب الأقدس عن أهمية الأبوة الروحية في حياة القديس سمعان، مشددًا إلى أن هذه الممارسة المسيحية التقليدية ما زالت تحافظ على أهميتها اليوم، وهي ليست حكرًا على الرهبان بل هي ضرورية للجميع وخصوصًا الشباب.
دور الأب روحي هو “أن يرافق كل منا نحو معرفة عميقة لذاته، ويقوده إلى الاتحاد بالرب، لكي يطابق وجوده أكثر فأكثر الإنجيل”.
وصرح الأب الأقدس أخيرًا أننا جميعًا بحاجة في مسيرتنا نحو الرب “للهداية والحوار”، ولا يمكننا أن نقوم بذلك معتمدين فقط على تفكيرنا. وهذا هو أيضًا “معنى كنسية إيماننا”.