بقلم الخوري جوزيف هلال
القبيات، الجمعة 9 أكتوبر 2009 (Zenit.org). – نقدم نصي رسالة وإنجيل قداس الأحد بحسب الطقس الأنطاكي السرياني الماروني مع تعليق مقتبس من “نشرة الأحد” – “موقع القبيات الإلكتروني“.
* * *
::: الرسالة :::
1 أَمَّا الأَزْمِنَةُ والأَوقَات، أَيُّهَا الإِخْوَة، فلا حَاجَةَ بِكُم أَنْ يُكْتَبَ إِلَيْكُم في شَأْنِهَا؛
2 لأَنَّكُم تَعْلَمُونَ جَيِّدًا أَنَّ يَوْمَ الرَّبِّ يأْتي كَالسَّارِقِ لَيْلاً.
3 فحِينَ يَقُولُون: سَلامٌ وأَمْنٌ! حِينَئِذٍ يَدْهَمُهُمُ الـهَلاكُ دَهْمَ الْمَخَاضِ لِلحُبْلى، ولا يُفْلِتُون.
4 أَمَّا أَنْتُم، أَيُّها الإِخْوَة، فَلَسْتُم في ظُلْمَةٍ لِيُفَاجِئَكُم ذلِكَ اليَومُ كالسَّارِق.
5 فأَنْتُم كُلُّكُم أَبْنَاءُ النُّور، وأَبْنَاءُ النَّهَار؛ ولَسْنَا أَبْنَاءَ اللَّيلِ ولا أَبْنَاءَ الظُّلْمَة.
6 إِذًا فلا نَنَمْ كَسَائِر الـنَّاس، بَلْ لِنَسْهَرْ وَنَصْحُ؛
7 لأَنَّ الَّذِينَ يَنَامُونَ فَفي اللَّيلِ يَنَامُون، والَّذِينَ يَسْكَرُونَ فَفي اللَّيلِ يَسْكَرُون.
8 أَمَّا نَحْنُ أَبْنَاءَ النَّهَار، فَلْنَصْحُ لابِسِينَ دِرْعَ الإِيْمَانِ والـمَحَبَّة، ووَاضِعِينَ خُوذَةَ رَجَاءِ الـخَلاص.
9 فإِنَّ اللهَ لَمْ يَجْعَلْنَا لِلغَضَب، بَلْ لإِحْرَازِ الـخَلاصِ بَرَبِّنَا يَسُوعَ الـمَسِيح،
10 الَّذي مَاتَ مِنْ أَجْلِنَا، لِنَحْيَا مَعَهُ سَاهِرِينَ كُنَّا أَمْ نِائِمِين.
11 فلِذلِكَ شَجِّعُوا بَعضُكُم بَعْضًا، وَلْيَبْنِ الوَاحِدُ الآخَر، كَمَا أَنْتُم فَاعِلُون.
(1تس5/1-11)
::: حول الرسالة :::
يُوَجِّهُ بولس الرَّسول رِسَالَتَهُ هذه إِلَى الإِخوَةِ (المُؤمِنين) العارِفين بِكلِّ شَيء عن يوم الرَّبِّ وَكَيفِيَّةَ مَجِيئِهِ بِقَولِهِ :”لأَنَّكُم تَعلَمُونَ جَيِّداً أَنَّ يَومَ الرَّبِّ يَأْتِي كَالسَّارِقِ لَيلاً”.
فَيَوم الرَّب أي يَوم لِقاء الإنسانِ بِالله مِن خِلالِ عُبُورِهِ بِالمَوت هو يَوم غَيرُ مَعرُوفٍ مِنَ قبل الإنسَان “فَأَمَّا ذلِكَ اليَوم وَتِلكَ السَّاعَة فَما مِن اَحَدٍ يَعلَمُها لا ملائكة السَّماوات ولا الإبن إلاَّ الآب وحده” (متَّى ۲٤/۳٦) وَذَلِكَ إِشَارة إِلَى عظمة هذا اليوم وذلك الِّلقاء.
لِهَذَا يجَبُ عَلى الإِنسان (المُؤمِن) أَن يَكونَ مُستَعدّاً لهُ “لِذَلِكَ كُونُوا أنتُم أَيضاً مُستَعِدّين، فَفي السَّاعة الَّتي لا تَتَوَقَّعُونَها يَأْتِي ابن الإنسان” ( متَّى ۲٤/٤٤).
مِن هُنَا يَدعُونَا بُولُس ِإلَى السَّهَرِ وَالتَّيَقُّظِ فِي انتِظَارِ هَذَا اليَوم وَقَد أَعطَانَا السِّلاحَ الَّذِي نُحَارِبُ بِهِ النَّومَ وَالكَسَل أَلا وَهُوَ الإيمَان وَالمَحَبَّة نَلبسهُمَا دِرعاً وَنَضَعُ خُوذَةَ رَجاءِ الخَلاص.
فهَذَا اليَوم هُوَ يَوم الحِسَابِ “سَوفَ يَأْتِي ابنُ الإِنسان فِي مَجدِ أَبيهِ وَمَعَهُ مَلائِكَتُهُ يُجَازِي كُلَّ إِنسانٍ عَلَى قَدَرِ أَعمَالِهِ ” ( متَّى ١٦/۲٧ ) الّذي يستند إلى مَبدَئي الرِّبحِ وَالخَسَارَة “مَاذَا يَنفَع الإِنسَان لَو رَبِحَ العَالَم كلَّهُ وَخَسِرَ نَفسَهُ ؟ “( متَّى ١٦/۲٦ ) ومَبدأ المَحَبَّة وَمَفَاعِيلِهَا (راجِع مَتَّى ۲٥/۳١–٤٦)
مِن هُنَا يَقُولُ لَنَا بُولُس أَنتُم أَيُّها اِلإخوَة لَستُم فِي ظُلمَةٍ لِيُفاجِئكم ذلك اليوم كالسَّارِقِ فأَنتُم كُلُّكُم أَبنَاءُ النُّورِ وَأَبنَاءُ النَّهَار. وَلِكَي نُحرِزَ الخَلاصَ (وَجَميِلٌ أَن يَكُونَ الخلاص جماعِيّاً ) عَلَينَا اَن نُشَجِّعَ بَعضُنَا بَعضاً وَلنَبنَي الوَاحِد الآخر (أَلَسنَا إِخوَة ؟).
فَعَلَينَا أَيُّهَا الأَحِبَّاء أَن تَكُونَ حَيَاتُنَا مُستَنِيرَةً بِكَلِمَةِ الله وَحِفظِ وَصَايَاه لا سِيَّمَا وَصِيَّةَ المَحَبَّة الَّتِي تَختَصِر كُلَّ الوَصَايا “ما أُوصِيكُم بِهِ هُوَ :أَحِبُّوا بَعضَكُم بَعضاً” (يوحنَّا ١٥/١۲). وَأَكثَر مِن ذَلِك أَن نَثبُتَ فِي الله “مَنْ ثَبُتَ فِيَّ وَثَبُتُّ فِيهِ فَذَاكَ الَّذِي يُثمِرُ ثَمراً كَثيراً” (يوحنَّا ١٥/٥).
مِن هُنَا فَلنَسأَل ذَوَاتَنَا هَل نَحنُ مُستَعِدُّونَ لِهَذَا اليَوم (يوم الرّبّ ، يَوم اللِّقَاء) مِن خِلالِ سَمَاعِ كَلِمَةِ الله وَالعَمَلِ بِهَا فَيَكون هذا اليوم يوم الخلاص؟
أَم إنَّنَا نَعيشُ عَلَى هَامِشِ حَيَاتِنَا جَاهِلِينَ مَصِيرَنَا وَهَذَا اليَوم فَيَكُون اليوم يوم غضبٍ بالنسبة إلينا؟
فَلنَطلُب إذاً نِعمَةَ الإِيمَانِ وَفَرَحِ الرَّجَاءِ وَقُوَّةَ المَحَبَّة.
::: الإنجيل :::
45 مَنْ هُوَ العَبْدُ الأَمِينُ الـحَكِيْمُ الَّذي أَقَامَهُ سَيِّدُهُ عَلى أَهْلِ بَيتِهِ، لِيُعْطِيَهُمُ الطَّعَامَ في حِينِه؟
46 طُوبَى لِذلِكَ العَبْدِ الَّذي يَجِيءُ سَيِّدُهُ فَيَجِدُهُ فَاعِلاً هـكَذَا!
47 أَلـحَقَّ أَقُولُ لَكُم: إِنَّهُ يُقِيْمُهُ عَلى جَمِيعِ مُمْتَلَكَاتِهِ.
48 ولـكِنْ إِنْ قَالَ ذلِكَ العَبْدُ الشِّرِّيرُ في قَلْبِهِ: سَيَتَأَخَّرُ سَيِّدِي!
49 وبَدَأَ يَضْرِبُ رِفَاقَ
هُ، ويَأْكُلُ ويَشْرَبُ مَعَ السِّكِّيرِين،
50 يَجِيءُ سَيِّدُ ذلِكَ العَبْدِ في يَومٍ لا يَنْتَظِرُهُ، وفي سَاعَةٍ لا يَعْرِفُهَا،
51 فَيَفْصِلُهُ، ويَجْعَلُ نَصِيبَهُ مَعَ الـمُرَائِين. هُنَاكَ يَكُونُ البُكَاءُ وصَرِيفُ الأَسْنَان.
(متى24/45-51)
::: تأمّل من وحي الإنجيل :::
يُقسَم هَذَا اِلإنجِيل إِلَى قِسمَين: قِسمٌ إِيجَابِي وَقِسمٌ سَلبِي، وَفِيهِمَا يُحَاسَبُ كُلُّ وَاحِدٍ حَسَبَ أَعمَالِهِ. فَالعَبدُ الأَمِينُ الحَكِيم يُقِيمُهُ الله عَلَى جَمِيعِ مُمتَلَكَاتِهِ. وَالعَبدُ الشِّرِّير نَصِيبُهُ البُكَاءُ وَصَرِيفُ الأَسنَان.
إِخوَتِي لِنَدخُل إِلَى عُمقِ هَذَا الإِنجِيل، عَلَينَا أَوَّلاً أَن نَعرِفَ مَنْ هُوَ:
1- العبد: إِنَّ اسم “عبد” فِي الكِتَاب المُقَدَّس هُوَ لَقَبُ شَرَفٍ يُسَمِّي بِهِ الله الإِنسَان (عَبدِي) فَيَدعُوهُ لِلمُسَاهَمَة فِي تَحقِيقِ قَصدِهِ ، وَتَتمِيماً لِهَذَا القَصد يُرسِلَ الله ابنَهُ، عَبدُ الرَّبِّ اَلأمثَل. هَذَا اللَّقَب أُطلِقَ عَلَى مُوسَى: “فَخَافَ الشَّعبُ الرَّبَّ وَآمَنُوا بِهِ وَبِمُوسَى عَبدِهِ ” ( خُرُوج ١٤/۳١ ). وَدَاود المَلِك يَدعُوهُ الرَّبُّ عَبدِي: “فَقُل الآنَ لِعَبدِي دَاود” (صموئيل الثَّانِي٧/٨ ). وَأَطلَقَهُ إِيليَّا عَلَى نَفسِهِ :”إِنِّي عَبدُكَ وَبِأَمرِكَ فَعَلتُ هَذِهِ الأُمُور” (ملوك الأوَّل ١٨/۳٦ ). وَأَخِيراً أَطلَقَهُ الرَّبُّ عَلَى نَفسِهِ وَعَاشَهُ مَعَ تَلامِيذِهِ: “أَنا بَينَكُم كَالَّذِي يَخدُمُ” (لوقا ۲۲/۲٧)، وَفِي العَشَاءِ السِّرِّي عِندَمَا غَسَلَ أَرجُلَ تَلامِيذِهِ (يوحَنَّا ١۳/١–۲٦) ( الخِدمَةُ مِنْ مُهِمَاتِ العَبد).
2- الأَمِين: وَهَذَا اللَّقَب أَيضاً أُطلِقَ عَلَى الرَّب: “إِنَّ الَّذِي دَعَاكُم أَمِين” (١تسالونيكي ٥/۲٤)، “وَلَكِنَّ الرَّبَّ أَمينٌ يُثَبِّتُكُم وَيَحفَظُكُم مِنَ الشَّرِّ ” (۲ تسالونيكي۳/۳)، “إِن كُنَّا غَيرَ أُمَنَاءَ ظَلَّ هُوَ أَمِيناً لا يُمكِنُهُ أَن يُنكِرَ نَفسَهُ” (۲ طيموتاوس ۲/١۳).
3- الحَكِيم: الحِكمَةُ هبة مِنَ الله: فرعَون مِصر قَالَ لِيُوسُف: “بَعدَمَا أَعلَمَكَ الله هَذَا كُلَّهُ، فَلَيسَ هُنَاكَ فَهِيمٌ حَكيمٌ مِثلَكَ” (تكوين ٤١/۳۹)… ونعمة َمِن كَلِمَتِهِ “الكُتُب المُقَدَّسَة … فَهِيَ قَادِرَةٌ أَن تَجعَلَكَ حَكيماً ” (۲ تيموتاوس ۳/١٥).
أَورَدنَا هَذَا كُلُّهُ لِنَعِيَ عُمقَ المَسؤُولِيَّةِ الَّتِي سَلَّمَنَا إِيَّاهَا الرَّب الَّذِي سَاوَانَا بِنَفسِهِ بِقَولِهِ: “وَحَسبُ التِّلمِيذِ أَن يَصِيرَ كَمُعَلِّمِهِ وَالخَادِمُ كَسَيِّدِهِ” (متَّى ١۰/۲٥) وَهُوَ الَّذِي دَعَانَا إِلَى هَذِهِ الدَّعوَةِ وَالخِدمَةِ كَنَفسِهِ “مَنْ أَرَادَ أَن يَكُونَ كَبيراً فِيكُم فَلْيَكُنْ لَكُم خَادِماً، وَمَنْ أَرَادَ أَن يَكُونَ الأَوَّلَ فَليَكُن لأَجمَعِكُم عَبداً لأَنَّ ابنَ الإِنسان لَم يَأْتِ لِيُخدَمْ بَلْ لِيَخدُمَ وَيَفدِيَ بِنِفسِهِ جَمَاعَةً كَثِيرَة ” (مرقس ١۰/٤۳–٤٥).
وَهَذِهِ المَسؤُولِيَّةُ سَلَّمَها الرَّبُّ إِلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا حَسَبَ مَوقِعِهِ فِي الحَيَاة لِيُؤَدِّيَ الخِدمَةَ بِتَوَاضُعٍ وَيُعطِيَ طَعامَ المَحَبَّةِ فِي حِينِهِ فَيَكون أَمِيناً عَلَى هَذِهِ الدَّعوَةِ وَالمَسؤُولِيَّةِ، فَنَحنُ كُلُّنَا مُشَارِكِين فِي كَهَنُوتِ المَسيحِ المُلوكِي وَمَعَهُ نَصنَعُ مَلَكُوتَ الحبِّ وَالسَّلامِ.
فَلنَسأَل ذَوَاتَنَا كَيفَ نُؤَدِّي الخِدمَةَ المَوكُولَةِ إِلَينَا:
كَكَاهِنٍ فِي رَعِيَّتِي، سِيَاسِيٍّ مَعَ شَعبِي، مُعَلِّمٍ مَعَ تَلامِيذِي، طَبيبٍ مَعَ المَرضَى، أَهلٍ مَعَ أَولادِنَا، مُوَظَّفٌ فِي وَظِيفَتِي، تِلمِيذٌ فِي مَدرَسَتِي…
هَل أُؤَدِّي خِدمَتِي:
1- كَعَبدٍ صَالِحٍ شِعَارِي قَولُ الرَّبِّ: “إِن فَعَلتُم جَميعَ مَا آمُرُكُم بِهِ فَقُولُوا: نَحنُ خُدَّامٌ لا خَيرَ فِيهِم وَمَا كَانَ يَجِبُ عَلَينَا أَن نَفعَلَهُ فَعَلنَاهُ ” ( لوقا ١٧/١۰).
2- كعَبدٍ أَمينٍ “أَحسَنتَ أَيُّهَا العَبدُ الصَّالِحُ الأَمِينُ، كُنتَ أَميناً عَلَى القَليلِ فَسَأُقِيمُكُ عَلَى الكَثيرِ، أُدخُل فَرَحَ سَيِّدِكَ ” (متَّى ۲٥/۲١).
3- كَعَبدٍ حَكِيمٍ يَعرِفُ مَشِيئَةَ سَيِّدِهِ فَأَتَصَرَّفُ بِحِكمَةِ العَارِفِ فَأَخدُمَ بِتَجَرُّدٍ وَتَواضُعٍ وَتَفَانِي وَأَتَجَنَّبَ حِكمَةَ المُتَذَاكِي الَّذِي يَستَعبِدُ النَّاسَ بِخِدمَتِهِ لِكَي يُؤَدُّوا لَهُ خِدمَةً أَكبَر.
لِنَصلّي إلى الربّ ليجعل منّا الخُدَّامَ الأُمَنَاءَ الحُكَمَاء فَنَرِثَ الحَيَاة الأَبَدِيَّة وَلنَطلُب مِنَ الله أَن يُجَنِّبَنَا أَن نَكُونَ عَبيداً أَشراراً فِي قُلُوبِنَا وَتَصَرُّفَاتِنَا فَنَحصُدَ البُكَاءَ وَصَريفَ الأَسنان.