بقلم رئيس الأساقفة عصام جون درويش
استراليا، الأربعاء 14 أكتوبر 2009 (Zenit.org). – ننشر في ما يلي القسم الثاني من رسالة رئيس الأساقفة عصام جون درويش، رئيس أساقفة أبرشية الروم الملكيين الكاثوليك في أستراليا نيوزيلاندا.
أيها الأخوة الأحباء
سمعت وأنا في إكليريكية دير المخلص أقوالا كثيرة تحدد هوية الكاهن فواحد كان يقول لي أن الكاهن هو رجل الله وآخر أنه سفير المسيح وثالث هو نبي من أنبياء العهد الجديد.. لم أفهم في ذلك الوقت معنى هذه الأقوال إلا أني صدقتها لأن الكهنة الذين كانوا يرددونها على مسامعنا في القراءات الروحية أو في أوقات الإرشاد الروحي كانوا مليئين من الروح القدس، فيهم من النقاء والتواضع والبساطة ما يجعلهم قريبين من القديسين. معظم هؤلاء سبقوني إلى النور وإلى التمتع بصلاح الله ومازلت حتى الآن وبعد سبع وثلاثين سنة على رسامتي كاهنا أتمتع بما كشفوه لي من معرفة بمثلهم الصافي وإحساسهم المرهف وصدق قولهم وتشجيعهم الجذّاب المتواضع.
الكاهن رجل الله
يولد الكاهن في عائلة تنتمي إلى مجتمع محدد ويحمل معه إلى الكهنوت خبرات كثيرة فيها السيئ والصالح، لكن وجوده في هذا العالم ليس صدفة بل كان في فكر الله قبل أن يولد. هذا يعني أن الله أحبه منذ القدم حبا شديدا حتى أنه اختاره ليكون خاصته ودعاه ليكون كاهنه أي رجله الخاص وهو عالم بنقائصه وخطاياه كما هو عالم بمواهبه وشعوره واستعداداته: “قبل أن أصورك في البطن عرفتك وقبل أن تخرج من الرحم قدستك وجعلتك نبيا للأمم (ارميا 1/5). عندما يختار الله إنسانا لخدمة معينة، يُغدق عليه كل النعم التي يحتاجها ليؤدي هذه الخدمة ويعطيه “قلبا جديدا ويجعل في أحشاءه روحا” (حز36/26). المسيح نفسه عندما صلّى توجه إلى الآب قائلا: “يا أبت إنَّ الذينَ وهَبتَهم لي، هُمُ الذينَ أريدُ أن يكونوا معي حيثُ أكون. فيعاينوا ما أوليتني من المجد” (يو17/24).
يقول القديس بولس أن الكاهن إنسان يُقام لدى الله: “إنَّ كلَّ حَبْرٍ يُؤخذُ من بينِ الناس ويُقام لدى الله من أجل الناس، لِيُقَرِّبَ قرابينَ وذبائحَ كفّارةً للخطايا” (عب 5/1). يذكرنا هذا النص بمهمة الكاهن الأولى وهي أن يكون وسيطا بين الله والبشر ويكمل وجوده على الأرض وامتداده بين الناس؛ لقد غسل المسيح أرجل تلاميذه وترك لنا أن نغسل أرجل بعضنا. إنه أفضل نموذج لعمل الكاهن وخدمته الكهنوتية في كل أنواعها وهذا لا يتحقق إلا إذا كان الكاهن رجل الله أي في شراكة دائمة معه. تتم هذه الشراكة بطريقة عملية بواسطة الصلاة، فلكي يكون الكاهن رجل الله عليه أن يكون رجل صلاة وأفضل صلاة هي عندما نعزل ذاتنا عن الناس لأننا بهذا نكون مع الله.
الكاهن سفير المسيح
تحدد الكنيسة بأن عمل الكاهن هو التبشير بكلمة الله. يبدو لي أن هذه المهمة يجب أن تكون من أولويات الكاهن في مجتمع يتعلمن يوما بعد يوم فرسالة الكاهن الجوهرية هي أن يُقدّمَ الله للناس ويرشدهم إليه ويُفسر لهم ما جاء في الكتاب المقدس ويجعل كلام الله واقعا ملموسا في حياتهم. من أجل أن يتمم هذه المهمة عليه أن يمتلئ هو أولا من يسوع المسيح وينسج معه صداقة شخصية عميقة. يقول القديس بولس إنَّ “محبة المسيح تأخذ بمجامع قلوبنا” ( 2كو5/14) يعني أن محبة المسيح لنا ومحبتنا له هي التي تجعلنا نحمل الإنجيل إلى العالم.
علينا نحن الكهنة أن نبذل جهدا مضاعفا في البحث عن المؤمنات والمؤمنين الذين ابتعدوا عن الكنيسة، فغالبا ما يكون بعدهم نتيجة خلافات بسيطة أو سوء تفاهم أو كسل روتيني وربما ينتظرون إشارة منا حتى يعودوا إلى رعيتهم.
هل الكاهن نبي من أنبياء العهد الجديد؟
مهمة الأنبياء أن يربطوا بين الله وخليقته، بذلك تكون رسالتهم دعوة إلى المستقبل ونداء إلى ارتداد الإنسان نحو خالقه. فأنبياء العهد القديم كُلّفوا بتصويب مسيرة شعب ليعترف بأن الرب آت وهو سيأتي من أجلهم وعليهم أن يعبدوه: “سيعلمون أني أنا الرب (حزقيال 36/38). أما في العهد الجديد فيحثنا بولس إلى التشوق لموهبة النبوءة “أطلبوا المحبة وتشوقوا إلى المواهب الروحية، ولا سيَّما موهبةِ النبوءة” (1كور14/1) ويحدد مهمات الذي يُنبئ “فهو يُكلّمُ الناسَ بكلام يبني ويَعِظ ويُعزّي.. أما الذي يُنبئ فيبني الكنيسة” (1 كور 14/5).
إذن مهمة الكاهن إن يُنبئ عن المستقبل، مستقبل العلاقة مع الله ومستقبل العلاقة مع الأخوة البشر، وهو من يدعو الإنسان، بوعظه وإرشاده وبكشفه إرادة الرب وإعلان هذه الإرادة، إلى أن يحيا بكلمة الله. إنه مؤتمن على حمل شريعة الرب إلى الناس فالله أقامه راعيا وخادما ومعلما ومنحه نعمة لم يمنحها حتى للملائكة وهي أن يُظهر بنعمة الروح القدس جسد المسيح ويجعله غذاء روحيا للذين يرومون خلاصا.
خاتمة
اختار الرب التلاميذ وسمّاهم رسلا ودعاهم للخدمة وقال لهم: “لم تختاروني أنتم، بل أنا اخترتُكم وأقمتُكم لِتنطلقوا فَتُثمِروا فيُعطيَكم الآب ما تسألونَهُ باسمي” (يو15/16). الرب يسوع اختاركم أيضا، أيها الأخوة الكهنة، فأظهروا هويتكم الحقيقية في ممارسة خدمتكم الكهنوتية بفرح حتى في أشد الصعاب، واسألوا دوما أن يُرسل ربّ الحصاد رسلا يجعلون ملكوته حاضرا في قلب الإنسان.