بقلم رئيس الأساقفة عصام يوحنا درويش
استراليا، الجمعة 2009 (Zenit.org). – ننشر في ما يلي رسالة رئيس أساقفة استراليا ونيوزيلاندا، المطران عصام يوحنا درويش إلى كهنته بعنوان: “الكاهن رجل خطير”.
* * *
فاجأني مرة أحد الأصدقاء بقوله “أنتم الكهنة رجال خطرون”. للوهلة الأولى ظننته يمزح معي لكنني قبل أن أخلد إلى النوم في ذلك اليوم، فكرت مليا وجدت أن ما قاله صديقي صحيح لأننا نحن الكهنة نتمتع بتأثير كبير على الناس ولاسيّما أبناء رعيتنا وبناتها ، وهم يعطونا الحق بأن نتدخل في حياتهم الخاصة وبأن نساعدهم في خياراتهم في الحياة ويمنحوننا سلطة بأن نكون الحَكم في أمورهم الخاصة. فإذا ما وقعت ثقتهم هذه في أيد غير صالحة أو غير متوازنة تسير أمورهم في طُرق أخرى وربما خاطئة، لذلك علينا نحن الكهنة أن نكون يقظين في ممارسة سلطتنا وقيادة المؤمنين الموكلين إلينا.
يحذر بولس الرسول أحباءه من أهل كورنثوس ويقول لهم “كلُّ شيء حلال ولكن ليس كل شيء بنافع. كلُّ شيء حلال، ولكن ليسَ كلُّ شيء يبني. لا يسعَيَنَّ أحدٌ إلى مصلحته، بل إلى مصلحةِ غيره” (1كور10/23-24). هذا التوجيه يطالنا نحن الكهنة ويطلب منا أن نراقب باستمرار الآخرين الذين حولنا ونهتم بهم وألا نكون موضع شك في كلامنا أو تصرفاتنا كي لا نربك إيمان الناس ونحبط همتهم وانتماءهم لكنيستهم. علينا أيضا أن ننتبه إلى تصرفاتنا ولغتنا وآرائنا، حتى ولو كنّا خارج رعيتنا أو أثناء فرصتنا، لأننا تخلينا برسامتنا عن حياتنا الشخصية وصرنا نمثل الكنيسة وأكثر من ذلك نمثل يسوع المسيح الذي اختارنا ودعانا إلى أن نكون خليفة لرسله، ولذلك نحن، ولا شك، الوسطاء بين الله والإنسان.
وضع يسوع نُظما واضحة للرعاية فطلب من جميع الرسل وخلفائهم أن يكونوا على مثاله “الراعي الصالح” (يوحنا 10) لشعبه الذي يعتني بكل واحد ويفتش على كل واحد ويُحب كل واحد. نحن الكهنة نصير هذا الباب الذي يدخل منه أبناء وبنات رعيتنا إلى يسوع المسيح، ونصبح الحارس الذي يسهر على الحظيرة كي لا يدخل أحد فيخطف أحد الخراف. إن الراعي الصالح يبني سورا من المحبة والتفاني ويجعل من نفسه حارسا للباب كي لا يدخل أحد فيشتت قطيع الله.
يتحدث حزقيال النبي في الفصل الرابع والثلاثين عن الراعي فيحثّ القادة الروحيين على أن ينتبهوا إلى العواقب عندما يستعملون سلطتهم بطريقة سيئة: “ويل لرعاة يرعون أنفسهم. أليس على الرعاة أن يرعوا الخراف؟ إنكم لا ترعون الخراف الضعاف.. والمريضة لم تداووها والمكسورة لم تجبروها والشاردة لم تردوها والضالة لم تبحثوا عنها، وإنما تسلطتم عليها بقسوة وقهر” (حز 34/2-4). هذه الكلمات تتوجّه اليوم إلينا لأن الرب سيحاسبنا ليس على المشاريع التي قمنا بها وإنما على النفوس الموكلة إلينا لنجعلها تكبر بالإيمان وتنموا بالمحبة وتثبت بيسوع المسيح: “أطيعوا رؤَساءكم واخضعوا لهم، لأنهم يَسهرونَ على نفوسكم سهَرَ مَن يُحاسَبُ علَيها” (عبر13/17).
يركز بولس الرسول على المواهب التي يهبها الروح القدس للكهنة فالخدم الكهنوتية على تنوعها يجب أن تكون لصالح القطيع ليبلغ إلى المسيح: “أولى بَعضَهم أن يكونوا رُسلا وبَعضَهم أنبياء وبَعضَهم مُبشرين وبَعضَهم رُعاةً ومُعلمين، ليجعلَ القديِّسين (المؤمنين) أهلا للقيام بتلك الخدمة التي ترمي إلى بناء جسدِ المسيح” (أف 4/1115) . أهم هذه الخدم هو السهر على صحة الرعية الروحية وحمايتها من كل مؤثر سلبي يأتي من الخارج. إن الرعية بحاجة إلى خادم وليس إلى سيد “ليَكُن الأكبرُ فيكم كَالأصغَر، والمترئِّسُ كالخادم” (لو 22/26) وإلى أب يخطبُ أبناءه وبناته ليسوع وكنيسته ويغار عليهم “غيرة الله” (2كور11/1) ويقودهم ليسمعوا ويكتشفوا إلهامات الروح القدس.
نحن الكهنة نتعرض في خدمتنا الكهنوتية لإغراءات كثيرة فنحاول أحيانا أن نستولي على القطيع بدل أن نحرره “لا تتسلطوا على الذينَ هم في رَعيتِكم، بل كونوا قدوة للقطيع” (1بط 5/3) ومرات أخرى نخلط بين السلطة الشخصية والقيادة الروحية. لذا علينا أن نتذكر دوما أن نمارس سلطة متواضعة تُمكِّنُ العلمانيين من أن يكتشفوا فينا ما يجذبهم إلى عيش المشورات الإنجيلية وإلى أن يجدوا فينا شركاء حقيقيين في تأوهاتهم اليومية.
صحيح أننا بشر وغير معصومين كما يقول بولس الرسول (1كور9/27) ولكن الأصح هو أننا، رغم خطيئتنا، علينا ألا ننسى بأننا “معاونو الله.. فلا نجعَلنَّ لأحدٍ سبيلا للعثار لِئلا ينالَ خدمتَنا لوم” (2كور 6/1-5) إننا مدعوون إلى قيامة دائمة، نماثل بها المسيح وهذا يجنبنا الانهماك في جواذب خارجية تبعدنا عن أمانتنا الكهنوتية.
لنرفع الدعاء إلى أمنا مريم العذراء، الثيوتوكس، الفائقة القداسة والجديرة بكل مديح، لتستمد لنا العطف وتحفظ كهنوتنا من كل عيب، أنها أم الكهنة ومعلمتهم وحصنهم الأمين.