القبيات، الخميس 24 ديسمبر 2009 (Zenit.org). –   كنتُ أُصَلّي في لَيليَ الطويل، عَلّي أتلمَّسُ وجودك فيَّ، فَغُصْتُ في حلمِ يوسف، وحظوة مريم لدى الآب، وإذ بهما يرافقاني إلى مزودٍ صغيرٍ فيه طفلٌ، بالكاد استطعتُ النظرَ إليهِ لِشدَّةِ جَمالِه، وعَظَمة النورِ الذي انْبَثق من وجهه الصغير.

     غَمَر الفرحُ كياني، حتىّ أنه أَنْساني حيرتي وضُعفي، وَجَعي وخَوفي، غامراً قلبي بسَلامِهِ...

     تَأَمَلْتُكَ قدر استطاعَتي أيُّها الأزليّ، الكائن في جوهر الثالوث منذ الأزل، كيف أنَّك تَصاغَرْتَ فحللت بيننا، ولبسْتَ ناسوتنا، كي تُرَمِّمَ ما حطَّمَهُ الإنسان، من صورَةِ أبيكَ فيه، وأدركْتُ أنَّ السماءَ تَجَنَّدتْ كلُّها لِحَدَثِ الخلاص الكبير بتأنّسك، كي تُعيدَ للبشريّة، إبنَة المَلِكْ، كرامَتُها المفقودة، التي كان قد خَصَّها بها يومَ جَبَلَها و نَفَخَ فيها مِن روحِه.

     يا ابن السماءِ، يا إلهاً من إله، كيفَ تَرَكْتَ عرْشَكَ كي تَأتيني، وأنا وَرَقَةُ وردٍ في مهَبِّ ريحْ؟! كيفَ عَرَفْتَني مِن بينِ البَلايينِ منَ الوُرَيقات، عَرَفْتَني بِشَخصي وأمسَكْتَ بِيدي، ثُم جَذَبْتَني إليك؟!

     أدْهَشْتَني كيفَ تَتَعَرَّفُ على كلِّ ورقةٍ في بُستانِكَ، وكيفَ حَفَظْتَ اسمَ كلٍّ منها، وخَصَّصْتَها بفرادَةٍ لافِتَةٍ!

     نعم يا حبيبي، ذلك أَنيّ نَظَرْتُ في عَينَيكَ كما لَم أَفْعَل أبداً، فرأَيتُ صورَتي فيهِما. فَرِحتُ، اقتَرَبتُ مِنكَ أكثر، وَوَدَدْتُ لو أضَع يدي في كفِّكَ! فَعَرَفْتَ مُنْيَة قلبي فَفَتَحْتَهُ، وإذ بي أرى ذاتي، مطبوعةً بالحبّْ، مُذْ كنتُ في الرحم.

     عندها فقط أدركتُ لِمَ أنا أمامَكَ، وأنتَ معي. لِمَ وُلِدتِ في مذودٍ وأنت ملك الملوك وفاديها.

     لقد وجدْتَني لا أُجيدُ التقرُّبَ منكَ، ولا أُدْرِكُ الإحساسَ بوجودِكَ داخلي. لقد تألّمت لِعدَمِ فَهْمي كُتُبَ الأنبياءِ وسُفَراءِ العهدِ القديمْ، مِن آدمَ حتى اليومْ. وبَكَيْتَ موتيَ البطيءْ؛ فَلَمْ ترضَ أن أبقى في ظُلمةِ جَهْلي وتَحَجُّرَ قلبي، لأنّني قِطْعَةٌ مِنكْ.

     لقد خِفتَ عليّ أكثَرَ مِن خوفي على ذاتي أيُّها الحبيب، فتأَنَّستَ كي تُدْرِكَكَ بَصيرتي ويلمُسكَ قلبي، ثم تَرَكتَ لي روحَكَ القدّوس كي يُضرِمَ نارَكَ فيَّ ويقودُ خطَواتي، فلا أَعُد أجزَعُ ولا أتعثَّرّْ!...

     في تلك الساعة، تحوَّلتْ صلاتي إلى ترنيمِ فرَحٍ، وتهليلْ، ثم، دونَ أن أَدري، عَلَتْ نَغَماتي في مَضْجَعي لِتَنضَمّ إلى الساروفيم والكاروبيم في نشيدِ مجدٍ، لَخَّصَ رِسالةَ "السلام في الأرض لِمن أرضوك، ومجدَّكَ في الأعالي!.."

     وُلِد المسيح ، هلليلويا. 

موقع القبيات الإلكتروني