بقلم روبير شعيب

روما، الاثنين 7 ديسمبر 2009 (Zenit.org). – الإنسان هو كائن زمني، واعتلان الله في حياته لا يمكن أن يكون مناسبًا إذا لم يأخذ بعين الاعتبار هذا البعد الجوهري والوجودي في كينونة الإنسان، لهذا يشدد البابا يوحنا بولس الثاني في رسالته العامة "الإيمان والعقل" (Fides et Ratio) على أن "الوحي الإلهي يندرج في الزمان وفي التاريخ" مذكرًا أن تجسّدُ يسوع المسيح صار "في ملء الزمان" (غل 4، 4). ويؤكد البابا على أنه على مسافة ألفي سنة من هذا الحدث، "أشعر بحاجة العودة إلى التأكيد بقوة أن الزمن في المسيحيّة له أهمية أساسية. ففـي الزمن يظهر كل عمل الخلق والخلاص، ويتجلى لنا خصوصاً أننا، بواسطة تجسّد ابن الله، نعيش ونستبق، منذ الآن، ما سوف يكون كمال الزمان (عب 1، 2) (راجع الإيمان والعقل، 11).

نظرة وجودية إلى العلاقة بين الإنسان والزمان: الإنسان كائن للموت

قبل أن نستعرض نظرة مسيحية إلى الزمان، نتوقف لبرهة للنظر في الطريقة التي عالج فيها هذا الموضوع أحد كبار فلاسفة القرن العشرين، الألماني مارتن هايديغر (Martin Heidegger) الذي توقف، بشكل خاص في كتابه الشهير "الكائن والزمان" ( Sein und Seit)، على إعادة دراسة أنطولوجية الكائن مستعرضًا هذا الأخير على ضوء الزمنية.

نقطة انطلاق هايديغر هي الإنسان الذي يُدرك مفهوميًا كـ "كائن-هنا، موجود-هنا" (Da-sein). كينونة الإنسان ليست كينونة نهائية، إذا جاز التعبير، بل هي إمكانية كينونة. بتعبير أبسط: الإنسان هو مشروع لم يتحقق بعد بالكلية، بل هو في مسيرة تحقيق مستمرة تدوم ردح وجوده بأسره. هذا ويشكل الزمان إطار-الممكن الذي يفسح للإنسان مجال تحقيق كينونته. "الزمنية" تفسح المجال أمام الإنسان لكي يتصل بإمكانياته ويوحد وجوده، وهذا الأمر غير ممكن من دون ظاهرة المستقبل، التي من خلالها يعود الدازين إلى نفسه.

المستقبل – بحسب هايديغر – هو ظاهرة الزمن الأساسية" (M. Heidegger, Il concetto di tempo, Milano 1998, 40). يشرح الباحث الإيطالي كارلو سيني (Carlo Sini) مفهوم هايديغر هذا فيقول: "الزمان موجود لأن هناك أمور يجب أن نفعلها". الزمان ليس واقعًا مجردًا بحد ذاته، بل هو محسوس في وجدان الكائن البشري، ولذا يقاس الزمان انطلاقًا من حالات الوجدان. هذا ما يشرح لنا كيف أن هناك دقائق صعبة يبدو وكأنها تدوم دهورًا، وكيف أن هناك لحظات سعادة تمر مرور الطير. بهذا لا نعني أن الزمان هو وجداني وحسب، ولكن جل ما نبغي التصريح به هو أن حدس الزمان في وجداننا يجعلنا ندركه بشكل يتجاوز محدودية قياس الزمان الاصطلاحي.

بالعودة إلى تحليل هايديغر، يصف الفيلسوف الإنسان بأنه كائن-نحو-الموت أو كائن-للموت (Sein-zum-Tode). فالمستقبل الأكيد الذي يخبره بالضرورة كل إنسان هو الموت، وتوحيد الكائن، بالنسبة للفيلسوف الوجودي، يتم من خلال الإقرار بواقع الموت واعتبار الوجود من هذا المنطلق. لا يخفى عن القارئ كيف أن هذه النظرة تعتبر بمصداقية واقع الإنسان المجرد، الإنسان بمعزل عن الله وعما يتجاوز الطبيعة.

بعد هذا العرض المقتضب للنظرة الوجودية الهايديغرية للإنسان ككائن زمني، سنعالج في القسم الثاني العلاقة بين الإنسان والزمان بحسب النظرة المسيحية.