مسألة بلاد المهجر (بلاد الانتشار)
بقلم الأب هاني باخوم
روما، الاثنين 07 ديسمبر 2009 (Zenit.org) – استعرضنا في المقالة السّابقة صلاحيات البطريرك وسينودس الاساقفة خارج رقعة الكنيسة البطريركية وطرحنا سؤالاً: هل هذه الصّلاحيات كافية لرعاية المؤمنين في بلاد المهجر؟ وما هو الحلّ لرعاية هؤلاء المؤمنين لكي يحافظوا على طقسهم وارتباطهم بكنائسهم الاصلية؟
في هذه المقالة، سنحاول اولاً عرض مسألة مؤمني بلاد المهجر، والمقترحات المقدمة لحلها.
ظاهرة هجرة مؤمني الكنائس الشّرقية إلى بلاد الغرب، ظاهرة تضاعفت في العقود الاخيرة بحثاً عن حالة اقتصادية أفضل، او سعياً إلى كسب حريّة دينيّة، او بسبب الحروب المتتالية في الشّرق الاوسط. هذه الهجرة قد تسبب افقار الكنائس الشّرقية من مؤمنيها، وافتقاراً لمن يحمل وينقل تقليد وتراث تلك الكنائس وكنزها اللّيتورجي والرّوحي والنّظامي. هذا الخطر لا يصيب فقط تلك الكنائس الشّرقية بل الكنيسة الجامعة ايضاً؛ فافتقار الكنائس الشّرقية لتقليدها وتراثها يُفقر الكنيسة الجامعة من التّنوع الغني التي تحتويه بتواجد تلك الكنائس وتراثها. لذا مسألة هجرة المؤمنين وعدم محافظتهم على تراثهم الكنسي الخاص، هي مسألة تخص الكنائس الشّرقية وايضاً الكنيسة الجامعة.
حاول المجمع الفاتيكاني الثّاني ومجموعة القوانين للكنائس الشّرقية وغيرهما من وثائق التّعليم الكنسي الرّسمي (على سبيل المثال رسالة البابا يوحنا بولس الثاني، نور الشّرق، 1995)، الرّد على احتياجات وضرورات مؤمني بلاد المهجر، كي يستطيع هؤلاء ان يحافظوا في هجرتهم على تراث كنائسهم. على سبيل المثال، كما رأينا في المقالة السّابقة، امتداد صلاحية سلطة البطريرك وسينودس اساقفة الكنيسة البطريركية في بعض الحالات، على مؤمني نفس الكنيسة القاطنين خارج رقعة الكنيسة البطريركية او جعل الاسقف المحلي، وان كان لاتيني، راعياً لهم، ومدبراً لاحتياجاتهم الطّقسية، عن طريق توفير من يرعاهم مباشرة (ق 916 بند 5، ق 193 بند 1). ولكن بالرغم من كلّ هذا، هناك عدّة مسائل واحتياجات لمؤمني بلاد المهجر ما زالت مطروحة.
امام هذه الاحتياجات هناك عدّة اقتراحات سنحاول عرض بعضها الآن.
– لكي نستطيع ان نواجه احتياجات ومتطلبات مؤمني الكنائس الشّرقية في الغرب البعض يقترح مايلي:
1. توسيع وامتداد لصلاحية سلطة البطريرك وسينودس الاساقفة للكنيسة البطريركية على مؤمني كنيسته في بلاد المهجر، كما هي الحال بالنّسبة إلى مؤمنيه داخل رقعة كنيسته حيث يستطيع البطريرك مع سينودس اساقفته ان يقيم او يؤسس رعية، او إكسرخية، او ايبارشية؛
2. اعطاء الحق للبطريرك مع سينودس الاساقفة ان ينتخبوا اساقفة بلاد المهجر التّابعين لكنيستهم كما هو الحال في اختيار الاساقفة داخل الرّقعة البطريركية؛
3. حق رسم كهنة متزوجين، كما هو تقليد الكنائس الشّرقية، في بلاد المهجر، او ارسال كهنة متزوجين لخدمة مؤمني الكنائس في تلك الاماكن.
مما لا شكّ فيه، ان هذه الاقتراحات هي قانونيّة، وعلى الكنيسة الجامعة ان تأخذها بعين الاعتبار والبتّ بها، حسب ما يتفق مع روح الوحدة والشّركة والمحافظة على التّقليد الكنسي المعترف به بما يخص سلطة البطريرك وسينودس الاساقفة. ولكن السّؤال الآن هل تلك الاقتراحات كافية لحلّ مشاكل مؤمني بلاد المهجر؟ وان حُلت مشاكل مؤمني الكنائس البطريركية فهل هي قادرة على حل مشاكل من تبقّى من مؤمني الكنائس الاخرى ذات الحق الخاص؟ هناك العديد من مؤمني الكنائس الاخرى المشتتين في اماكن كثيرة، ويبقى من الصّعب، او بالأحرى من المستحيل جمعهم في مكان واحد لاقامة رعية خاصة بهم وسلطة محلية خاصة بهم، نظراً لقلة عددهم او كما ذكرنا لتشتتهم في احياء عديدة في البلدة نفسها. فكيف يمكن مساعدة هؤلاء للحفاظ على تراثهم الخاص وعلى طقسهم؟
بجانب هذا قد يوجد فى نفس المكان عدد من مؤمني الكنائس ذات الحق الخاص المختلفة فما الحلّ؟ هل يمكن انشاء رعية وسلطة محلية لكلّ اقلية (علماً بان الكنائس ذات الحق الخاص عددها 21 كنيسة بجانب الكنيسة اللاتينية)؟ هل يمكن توفير كهنة لهم من نفس الكنيسة ذات الحق الخاص لرعايتهم؟ علماً بانّه في العديد من الحالات تفتقر هذه الكنائس لدعوات كهنوتية لسدّ احتياجات رعاياها داخل رقعة كنيستها.
في اعتقادي الخاص، القانون 280 بند 1 من مجموعة قوانين الكنائس الشّرقية، ومثيله في قانون الكنيسة اللاتينية 518، يفتحان نافذة امل لحلّ تلك الصّعوبات بطرحهما امكانية ما يسمى “بالرّعية الشّخصية” وهي رعية لا تعتمد على المحليّة، اي لا تؤسس بناءً على مكان ما او رقعة جغرافية معينة، بل تؤسس بناءً على الجنسية أو اللّغة أو انتماء المؤمنين الى كنيسة ذات حق خاص ما.
تكوين تلك الرّعية الشّخصية يجعل من مؤمني الكنائس الشّرقية وان كانوا تحت رعاية اسقف من كنيسة اخرى منتميين الى كنيستهم ذات الحق الخاص، وليس الى كنيسة الاسقف المعتني بهم. وبهذا يمكنهم ان يعززوا معرفتهم لطقسهم والمحافظة عليه وان كانوا خارج رقعة كنيستهم (ق 40 بند 3).
بجانب هذا القانون 332 بند 2 من مجموعة القوانين الشّرقية يعطي احتمالية تأسيس اكليريكية كبرى تخدم عدة كنائس ذات حق خاص. هذه الاكليريكية مع المحافظة على التّكوين الكامل، او كما ينصّ القانون “تنشئة لا ينقصها شيء”، يمكنها ان تُحضر وتُكوّن هؤلاء الاكليريكيين على خدمة العديد من
الكنائس الاخرى ذات الحق الخاص دون اهمال طوائفهم الخاصة.
فالرّعية الشّخصية مع تكوين جديد للاكليريكين يعتني بروح خدمة الكنائس الاخرى حسب طقسها دون اهمال للطّقس الخاص قد يكون اقتراح من اقتراحات عديدة لحلّ مسألة بلاد المهجر وبالاخص تلك الممتلئة باقليات من كلّ كنيسة ولا يمكنها تأسيس رعية خاصة او سلطة محلية خاصة.
في المقالة القادمة سنستعرض بوضوح اكبر مفهوم “الرّعية الشّخصية” كأمكانية للمساعدة في حل مسألة بلاد الانتشار.