بقلم روبير شعيب
الفاتيكان، الأربعاء 16 ديسمبر 2009 (Zenit.org). – “إن الوباء الأكبر الذي يضرب المسيحيين في الشرق هو الهجرة، التي تفني رسالة المسيحيين، وإذا لم يعد هناك مسيحيون في الشرق الأوسط، فالمسلمون أنفسهم سيواجهون المشاكل”، هذا ما صرح به الأب سمير خليل في مقالة نشرتها وكالة الأنباء الإرسالية آسيانيوز.
جاء كلام اليسوعي الخبير بشؤون الشرق الأوسط والإسلام تعليقًا على سينودس الشرق الأوسط الذي قرره البابا بندكتس السادس عشر والذي سيعقد في الفاتيكان في أكتوبر 2010. يقدم الأب خليل في مقالته صورة عن الحالة التي يعيشها الشرق الأوسط، والمشاكل التي تعانيها الكنائس هناك لكي لا يكون السينودس حدثًا عابرًا يرتفع غبارًا في الهواء ثم يضمحل.
تستعرض المقالة الصراع الاسرائيلي-الفلسطيني الذي يمتد منذ أكثر من 60 عامًا، والحروب والصراعات الإقليمية التي هي نتيجة عن هذا الصراع، كما ويتطرق إلى التغييرات السياسية التي جرت في إيران في عام 1979، والتي حملت السلطة الدينية الشيعية إلى التمسك بزمام الحكم، وجعلت من الشيعة قوة سياسية في عدة دول.
العنصر الثالث هو ظهور “الإرهاب الإسلامي الذي ينتشر انطلاقًا من دول الشرق الأوسط في دول العالم الأخرى”. ويضاف إلى ذلك الحرب في العراق وتفاعلاتها. جميع هذه الأوضاع السياسية هي مترابطة في ما بينها.
على الهامش
ويوضح خليل أن نمو حركة التطرف الإسلامي أدت إلى تغييرات عميقة في البنية الاجتماعية في الدول الشرق أوسطية ذات الأغلبية الإسلامية. فالإصرار على الخطاب الإسلامي، وتوسع تعليم الإسلام، وفرض الشريعة في الحياة السياسية: جميع هذه العوامل تؤثر مباشرة على حياة المسيحيين الذين يضطرون إلى التصرف بشكل “أكثر إسلامية”، والتعرض إلى التهميش الاجتماعي.
وظاهرة الأسلمة هذه هي مرئية في فلسطين حيث كانت النزعة العلمانية سائدة في ما قبل، بينما تنامت في العقد الأخير نزعة التطرف، على حساب الحرية الدينية، الأمر الذي يخنق رسالة الكنيسة.
ردات فعل المسيحيين: الانغلاق والهجرة
هذه العوامل تؤدي إلى ردات فعل مختلفة لدى المسيحيين ولكن معظمها له تأثيره السلبي على وجودهم ودورهم في الشرق الأوسط. فإما يتم الإصرار على الهوية الذاتية بشكل قاسٍ، كما هو الحال في مصر مثلاً. وإما يلجأ المسيحيون إلى الهجرة.
الشرق الأوسط يشهد ظاهرة هجرة تشمل المسيحيين والمسلمين لأسباب اجتماعية واقتصادية، ولكن نسبة المسيحيين المهاجرين هي أكبر بكثير، ومن بين الأسباب التي تدفع المسيحيين للهجرة هناك البحث عن الحرية ودوافع ثقافية، وأخلاقية، تضاف على الأسباب السالفة. ومما يسهل هجرة المسيحيين، تواجد الأهل والأصدقاء في دول المهجر.
رسالة الأقلية المسيحية
ثم ينتقل الأب سمير خليل للحديث عن رسالة المسيحيين في الشرق الأوسط، مشيرًا عن أن العامل العددي يجعل الرسالة صعبة. فهم لا يلقون لا الدعم الإقليمي، المسلم بغالبيته، ولا الدعم الغربي الذي لا يهتم بمصير المسيحيين، وعندما يهتم الغرب بمسيحيين الشرق، فمعظم الأحيان الدافع اقتصادي وسياسي، ولا يرتبط بهويتهم المسيحية.
لهذه الأسباب جميعها من المهم تسليط الضوء على ما يستطيع أن يفعله السينودس عمليًا لكي يبقى هناك مسيحيون في الشرق يعيشون مقرراته.
الهجرة المسيحية في الشرق تشمل غالبًا من يستطيع القيام بذلك اقتصاديًا وثقافيًا. هذا يعني أن القسم الكبير ممن لا يستطيع الهجرة لا يملك الوسائل الاقتصادية الكافية للمضي قدمًا، الأمر الذي يجعل عزلته أكثر صعوبة. حالة العزلة والأقلية المطلقة هذه تؤدي إلى حالة جماد تحرم المسيحي من دور لطالما لعبه. يصرح الأب خليل: “في إطار بعض العقود قد يضمحل القسم الكبير من فكر الكنائس الشرقية. ولن يستطيع أي كتاب عن يعوض عن هذه الخسارة”.
وهذه الخسارة الكبيرة تؤثر بدول الشرق الأوسط، فالمسيحيون يقدمون صوتًا مغايرًا عن صوت إسرائيل وصوت المسلمين. يشكل المسيحيون “تقليد حرية وانفتاح” ينقص في المنطقة.
لقد لعب المسيحيون في حقبات تاريخية دورًا هامًا، مثل الدور الذي لعبه المسيحيون السريان بين القرن الثامن والقرن الثاني عشر، عندما نقلوا الثقافة الهيلينية الفلسفية، الطبية والعلمية إلى اللغة العربية. وقاموا بالدور نفسه عندما نقلوا الفكر الأوروبي في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر من خلال ترجماتهم. لذا يشكل المسيحيون في الشرق “جسرًا ثقافيًا” وهذا الأمر يشكل خسارة بالنسبة للعالم الإسلامي أيضًا.
ويختم الأب سمير خليل مقالته بالاستنتاج: “خلاصة القول، إن هجرة المسيحيين نحو الخارج وتركهم الشرق هو ضرر للجميع، بدءًا من المسلمين”.