بقلم روبير شعيب
الفاتيكان، 2009 (Zenit.org). – إلى جانب انتظار الترقب الذي هو تعبير عن ثقة مطلقة في مجيء الرب وفي تدخله، هناك انتظار من نوع آخر يشكل تكملة للنوع السابق. نستعرض في ما يلي مثلين من حياتنا البشرية يبينان لنا خصائص هذا الانتظار: انتظار الحبيب لحبيبته، وانتظار الأهل لمولد طفل.
انتظار الحبيب لحبيبته
إذا ما فكرنا بلقاء الأحبة، استنتجنا بعض العناصر التي تساعدنا على فهم الانتظار الخلاق. فلقاء المحبين الحقيقيين ليس أبدًا لقاءًا مبتذلاً أو عاديًا. دون الوقوع في رومانسية مثالية ومبتذلة، يمكننا أن نلاحظ، عن خبرة أو عن تبصر، أن المحب يزداد شوقه تدريجيًا مع اقتراب موعد اللقاء، وتتضاعف قدرته الخلاقة، فيجده يعد الهدايا ويهيئ المفاجئات، يستعد قلبيًا ويفكر بمختلف المواضيع التي سيتقاسمها مع الحبيبة، إنه انتظار يعد مكانًا للآخر فيضحي حاضرًا حتى لو في غيابه.
انتظار مولد طفل
إن من خبر انتظار مولد طفل في عائلته، وخصوصًا من اختبر انتظار مولد ابنه أو ابنته بالذات، يعرف جيدًا أن الانتظار في هذا الإطار ليس مجرد ترقب وتوق، الانتظار هو إعداد واستعداد في آن.
هو إعداد: أي تهيئة للبيئة التي ستستقبل الطفل، هو شراء المستلزمات التي سيحتاجها الطفل، من سرير، وعربة أطفال، وألبسة، وأغطية، وما إلى ذلك من اللوازم. وهو تطهير المحيط من الجراثيم حفاظًا على صحة الطفل، والاستعداد لتدفئة البيت بشكل يتناسب مع حاجات الطفل.
وهو استعداد: الأبوة والأمومة ليستا أمرين يحدثان في لمحة بصر بحيث ينتقل الرجل والمرأة حال ولادة الطفل إلى حالة الأبوة والأمومة. فترة الحمل، كزمن انتظار، هي فترة مؤاتية للاستعداد وللتحضير، للنمو والنضوج في الأمومة والأبوة، اللتين تشكلان مسيرة تدوم مدى الحياة. بهذا المعنى يشكل انتظار الولادة عاملاً خلاقًا، يحول جوهر الوالدين ويعدهما موسعًا قلبيهما، ومخيلتيهما وفردانيتها لقبول آخر في وجودهما وفي قلب الثنائي. هذا الاستعداد هو من أهم الهدايا التي يستطيع الوالدان أن يقدماها للوليد حال ولادته.
بالشكل عينه يمكننا أن نشبه الاستعداد الفاعل والخلاق في فترة “الانتظار” بالاستعداد لمجيء الرب. إن الكنيسة تعلمنا من خلال ليتورجيتها هذا الاستعداد، فتكرس كل كنيسة بحسب طقسها زمن استعداد للميلاد يتضمن التأمل بمراحل سر الخلاص، ويتخلل هذا الزمن أوقات توبة ورجوع إلى الذات، واستعداد. كما وتقوم بعض الكنائس بتكريس زمن صوم وتوبة لإعداد طريق الرب الآتي.
خاتمة
انطلقت هذه المقالة من نظرة فلسفية للإنسان أمام ظاهرة الزمان سمحت لنا أن نقوم بمقارنة بين نظرة إلى الإنسان والزمن بمعزل عن الله ونظرة إلى الإنسان والزمن مع دخول الله في تاريخنا. ففي الأولى الإنسان هو كائن-نحو-الموت، في الثانية الإنسان هو كائن-نحو-المسيح الذي هو الطريق والحق والحياة. المسيح هو فسحة الرجاء في ضيق هذا التاريخ، وانتظاره هو شوق الأجيال. هذا الشوق ليس فقط موقفًا سلبيًا توقعيًا بل هو خبرة فعالة وخلاقة.
المسيح الآتي هو في الآن نفسه المسيح الحاضر، المسيح الذي يؤجج في قلوبنا شوق الانتظار بفضل لقاء تم ويستمر في الحدوث والتمام. لقاؤنا به في دروب حياتنا لا يستهلك جدة اللقاء، والاحتفال بعيد الميلاد ما هو إلا محطة على دروب مجيء الرب الذي نتوق إلى لقائه وإلى الدخول في حميمية حياته الإلهية بشكل كامل في ملكوت الآب. لسان حال الكنيسة هو صوت ذلك الصارخ في البرية: “أعدوا طريق الرب، اجعلوا سبله في الصحراء مستقيمة”. فسر الزمان هو اللقاء بالأزلي والولوج في أبدية حبه، ولذا فالروح والكنيسة يقولان: “آمين! ماراناتا! تعال أيها الرب يسوع” (راجع رؤ 22، 20).