عظة رئيس الرهبنة المريمية الأباتي سمعان أبو عبدو بمناسبة عيد الميلاد المجيد

النور العظيم

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

زوق مصبح، 25 ديسمبر2009 (Zenit.org). – ننشر في ما يلي كلمة الاباتي سمعان أبو عبدو الرئيس العام للرهبانية المارونية المريمية في القداس الالهي  بمناسبة عيد الميلاد المجيد في كنيسة سيدة اللويزة، زوق مصبح.

* * *

   “الشَّعْبُ السّالِكُ في الظُّلمةِ أَبْصَرَ نوراً عظيماً” (أشعيا 9/1)

   في هذهِ الليلةِ المقدَّسَةِ، ذِكرى ميلادِ ربِّنا يسوعَ المسيحِ، تنجَلي أَمامَنا لوحةُ انتظارِ الشّعوبِ كُلِّها لِتتحقَّقَ بتجسُّدِ ابنِ اللهِ، ودخولِهِ في تاريخِ البشريَّةِ.

       “إِنَّهُ يَسيرُ بالأزمنةِ إلى تمامِها، فيجمَعُ في ذاتِهِ كُلَّ شيءٍ مِمّا في السّمواتِ وما في الأرضِ” (أَفسُس 1/10). في بُشرى السّماءِ للأَرضِ، تتجلّى عَظَمَةُ اللهِ في مِزْوَدٍ يولَدُ فيهِ المخلِّصُ. ” لقدْ وُلِدَ لكُمُ اليومَ المخلِّصُ الذي هو المسيحُ الربُّ” (لو 2/10-11).

      هذا هو اليومُ الذي صنعَهُ اللهِ ليطمئنَّ الإنسانُ أنّ اللهَ يفي بوعوده، فالعهدُ الجديدُ يبدأُ منذ تلكَ اللحظةِ.

إِنَّهُ بدايةُ الزمنِ المسيحانيِّ، زمنِ الخلاصِ، ونهايةِ الأزمنةِ السّابقةِ واكتِمالِها.

“الشّعْبُ السّالِكُ في الظلمةِ أَبْصَرَ نوراً عظيماً” (أشعيا 9/1). هكذا تنبّأ أشَعْيا عن النورِ الذي يُلغي الظلمةَ، ويُنيرُ الطّرقاتِ، لأنَّه دلالةٌ للفجرِ الذي وُعِدت به الشعوب، فجرِ الخلاصِ حيث يصبُّ كلُّ رجاءٍ! وما حَصَلَ منْذُ أكثَرَ من أَلفَيْ عامٍ، يَحْصُلُ اللّيلةَ وَيَتَكَرَّرُ، وها نحنُ نعيشُ مِنْ جَديدٍ حَدَثَ النورِ المتجَلّي في قلوبِنا مُنْبَعِثاً مِنْ طِفلٍ في مِزْوَدٍ من حَيْثُ يُشْرِقُ ابنُ اللهَِ على العالَمِ بِنورِهِ الوهّاج، نورِ الأنوارِ الذي يُشِعُّ لِيُضيءَ العالَمَ…

      هذا الطِّفْلُ النُّورانيُّ هو ابنُ اللهِ بل هو اللهُ ذاتُه: “إلَهٌ من إلَهٍ، نورٌ من نورٍ، وإلَهٌ حَقٌّ من إلهٍ حَقٍّ”.

  إنَّهُ الإلَهُ المتجسِّدُ الذي أَصْبَحَ إنساناً وَقَدْ أَخَذَ طبيعَتَنا البشريَّةَ، مُعَبِّراً في ذلك عن حُبِّهِ لخاصَّتِهِ، أَيْ لنا نحن البشرَ…لذا فإنَّ انتظارَ عودةِ الربِّ ينوِّرُها اليقينُ بأنَّ الطفلَ، الذي سجد له رعاةُ بيتَ لحمَ لألفي عامٍ خلت، لا ينفكُّ يزورُنا منذُ ذلك الحين في حياتنا اليوميّة، في مسيرتنا نحو الملكوت.

  نورُهُ نورُ الحقيقةِ، والحقيقةُ تقودُنا إلى الحُريَّةِ كمثلِ ما تقودُنا الظلمةُ إلى الجَهْلِ والضَّياعِ… وَأَوَّلُ من قادَهم نورُ الحقيقةِ كانوا رُعاةَ بيتَ لحْمَ الذينَ تَلقَّوْا البشارَةَ الأولى، وبِها دَخَلَ النورُ قلوبَهُم وأَدْخَلَهُمْ المجتَمَعَ الإنسانيَّ بَعْدَ أَنْ كانوا يعيشونَ خارِجَه معَ مواشيهم. هذا النّورُ الإلهيُّ أَعادَ إليهم كرامتَهُم الإنسانيَّةَ، لأَنَّ الله تجسَّدَ لأَجلِ كُلِّ واحِدٍ فينا، لِكُلِّ البشَرِ، لَنا كما لهؤلاءِ الرّعاةِ.

وفي مِثْلِ هذهِ اللّيلَةِ ظَهَرَتْ نعمةُ اللهِ فاكتَشفَ كُلُّ إنسانٍ في ضوءِ النورِ السّماويِّ أنَّ لهُ كرامةً، وأَنَّ كرامتَهُ الأولى هي أَنْ يكونَ ابنَ اللهِ وخاصَّتَهُ. وفي هذا يَكْمُنُ المعنى الحقيقيُّ للنورِ الذي يَسْطَعُ علينا في الميلادِ، فنصبِحُ أولادَ اللهِ بِفِعْلِ محبَّتِهِ العظيمَةِ لنا، ونكتشِفُ بالتّالي عَظَمَتَنا الإنسانيَّةَ. إنَّ هذا النورَ الذي يَشُدُّنا إليهِ، يَشْهَدُ ويؤكِّدُ لَنا أَنَّ كرامةَ الإنسانِ محميَّةٌ من اللهِ نفسهِ، كما يَجْعَلُنا ندرِكُ أنَّنا أصبَحْنا أبناءَ اللهِ عِنْدَما أصْبَحَ ابنُ اللهِ إنساناً مِثْلَنا. وَعَلَيْهِ نقولُ لابنِ اللهِ المتجسِّدِ بيننا:

      في ذكرى ميلادِكَ أيُّها الطِّفْلُ السَّيِّدُ، أَشْرِقْ علينا نوراً عظيماً، أَفِضْهُ في قلوبِنا وعلى عِيالِنا ولُبْنانِنا.

لا تَدَعْ، يا ربُّ، أولادَ الظُّلمَةِ يسيطرونَ علينا.

اِجْعَلْنا أبناءَ النورِ والنّهارِ.

  في ليلةِ ميلادِكَ، نريدُكَ أَنْ تولَدَ في قلبِ كُلٍّ منّا، وفي قلبِ الكنيسة والوطنِ والعائلة . مَعَكَ، يا ربُّ، وَمَعَكَ وَحْدَكَ، نَكْتَشِفُ قيمتَنا الإنسانيَّةَ التي أنتَ خَلَّصْتَها بِسِرِّ تجسُّدِكَ والفِداءِ. “عمّانوئيل الله معنا”، أنت أتيت حاملاً لنا السلامَ والعدالة. أحلَّ سلامَكَ في عائلاتنا التي تجتمعُ حول مغارتِكَ وحول الشجرةِ المزدانةِ بالأنوار، وليكنِ العيدُ للجميع عيدَ سلامِ الفرحِ والبهجة. 

   يا طِفْلَ المغارَةِ، لا تَجْعَلْنا نسيرُ في الظّلامِ، بلْ أَضِىءْ علينا من مزودِك، مِزودِ الحُبِّ والتواضعِ والبساطَةِ والسلامِ، فنعيشَ معكَ يا سيِّدَ الكونِ، ونَكتشِفَ المعنى الحقيقيَّ لحياتِنا وَحُرِّيَّتِنا، أنتَ أنتَ الإلهُ المخلّص ابنُ اللهِ الحَيِّ . آمين. 

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير