بقلم جميلة ضاهر موسى
القبيات، الجمعة 25 ديسمبر 2009 (Zenit.org) .- في الأمس وُلد المسيح واليوم وُلد اسطفانس .
في الأمس كانت ترانيم المجد و الهللويا تملأ الدنيا لمجيء الطفل في مغارة، واليوم، تسابيح الشكر والهللويا تملأ السماء لدخول بِكرِ الشُّهداء وسكناه في حضن أبيه .
في الأمس عَلا التعجّب، والفرح غمر الرعاة، وهم ينظرون ساجدين مشيرين إلى من يضجّع في المزود مردّدين: “هوذا الطّفل العجيب الّذي به سَتُسَرُّ الأرض كلّها. إنّه هَهُنا!”…
واليوم علا التعجُّب أيضًا، وجه إخوة الشهيد الأوّل وأقربائه، فأشاروا إليه غاضبين، يَرْغُون مُسْتَشْرِسين، كيف أنّه تخطّى الشريعة ليعترف بهذا الطفل، الذي علّقوه يومًا على الصليب ؟!
في الأمس وَفَدَ المَجوس من كلِّ أقطارِ العالم، قدّموا له السجود، حاملين له هدايا من “صنع يد الإنسان”، إكرامًا لإبن الله المتجسّد، صاحب هديّة خلاصنا، “صنع” رحمة الآب ومحبّته الفائقة. أمّا اليوم، فقد نال اسطفانس هديّةً بشريّةً مؤقّتةً، إنّما مؤلمةً، مُوجِعّةً. هديّة قلوبٍ مُتَحجّرة تحوّلت حجارةً، رجمته حتّى الموت. وهو، ساجدٌ يصلّي، غارقًا في رؤيا “الثالوث”، متأمّلاً “السماءَ مفتوحةً وابنُ الإنسانِ واقفًا عن يمين الله…”، ليكسب أجمل هديّة وأروعها:” المُلْك الأبديّ.
تلميذٌ شابه معلّمه بسيرته، وتشوّق أن يخبر عنه بعدما اختبره في أعماقه، وارتوى من تعليمه، فتحوّلت نظرته من الشريعة الباردة، إلى كلمة المسيح النابضة بالحياة، يحرّكها الروح القُدُس، فبات “يبارك الّذي أتى باسم الرّبّ” في كلّ مفاصل حياته، وكلّ ما كان يعلّمه وينادي به.
شابَهَهُ في نزاعه الأخير عندما “أوْدَع روحه بين يديّ الآب “صارخاً “يا أبتي، لا تحسب عليهم خطيئة”. لقد شهد لِصِدْقِ الكلمة وقوّة النعمة الّتي نالها بإيمانه. لم يأبه للموتِ لأنّه كان واثقًا أنّ الحياة الحقيقيّة في انتظاره. لم يتنازل عن الجوهرة، التي باتت ملكه، أمام إغراءات أهله كي يعود عن إيمانه بصاحب الصليب، عار”يهوديّتهم”!
لقد أدرك الحقّ كلّه، فلن يرضى بعد الآن بِزيفِهم ومَكْرِهم! لقد بات قلبه حيًا ينبض بالحبّ، ولسانه يتكلّم بالروح وأعماله تشهد لمن أحياه ، أمّا الفكر منه فأضحى حكمة الآب الناطقة بالحقّ والرحمة!
لنقف وقفة المتأمّل أمام “ويلات” إنجيل اليوم.
ألا نرى مجتمعنا فيه، إنّما بهيئةٍ أكثر حضارة وأشدّ دَهاءً من أولئك “القتلة” و “أولاد الأفاعي”، كما وصفهم يسوع؟
أو ليسوا هم من حكموا، بحروف الشريعةِ الفاقدةِ الروح، على حياة “الحياة”، يسوع، وعلى البراءة “الممتلئة حتّى الثمالة”، إسطفانس؟
هذا الوصفُ يَلْبَسُ اليوم مجتمعاتنا الفارغة. نرى أناسًا- دمىً، تحرّكها أصابع إباحيّة الموضة “الدارجة”، وأساليب التسلية التافهة، الخالية من كلّ ضوابط الأخلاق والقيم، في كلّ مرئيٍّ ومسموع، مُسكتَةً هواجس الجيل، متلاعبةً بأحاسيسهم وعواطفهم، مُشَرِّعَةً مُسَوّقةً أيديولوجيّات، ونزعاتٍ، وأفكارٍ تلبس زيًا حضاريًا مُزَرْكشًا، يأخذ بالعقول اليانعة كريشةٍ في مهبّ ريح!
أليست هذه حضارة الزّيف و الاستغلال، حضارة الرياء الّذي يتربّع على عرش سَطحيَّةِ المظاهر “الخلاّبة” كي تضلّ الضعيف، وتفكِّك أهل البيت الواحد، نافِثةٍ سُمًا ومُتَنفِّسَةً كذِبًا؟
أدعوك الآن أن تكون ذاك المسافر الشّجاع في سفينة الحياة نحو الأبديّة: تمسّك جيّدًا بالشراع وثبّت قدميك في أعماق ما تلقّفْتَه ونَهَلْتَ منه صوابًا، كتاب الحقيقة، إنجيل المسيح الحيّ. فالأمواج حتمًا في انتظارك، كما “محكمة اسطفانس”، لكن بطريقة مبتكرة، ربّما تكون أكثر قساوة عليك، لكن ثق بأنّك “ستغلب العالم” بإيمانك وثباتك إن تَعَرَّفْت إلى المسيح .
ثِقْ بأنّك قادرُ أن تحوّل الدنيا بالروح القدس الذي فيك، وإلاّ، فكيف أنت موجودٌ حيًا تُرْزَق، تبحث عن الطريق، وتَعْرِف عن المسيح و…..!!!